على الطريق الإقليمى.. من يتحرك أولًا؟
صفاء عصام الدين
آخر تحديث:
الإثنين 7 يوليه 2025 - 8:50 م
بتوقيت القاهرة
يبدو نزيف الدماء على الطريق الإقليمى مستمرًا، ولا يزال الطريق يحصد الأرواح بلا تدخل جذرى أو محاسبة حقيقية رغم البيانات العاجلة التى ألقاها أعضاء مجلس النواب، وطلبات الإحاطة المقدمة بعد مصرع الفتيات، أو قبلها، فطريق الموت كما يسميه النائب محمود البرعى، عضو مجلس النواب، كان ولا يزال شاهدًا على الإهمال، فى ظل غياب إصلاح لمنظومة إدارة الطرق والمحاسبة.
لم تمر عشرة أيام على مصرع 18 فتاة خلال رحلتهن على الطريق الإقليمى لجمع العنب مقابل يومية لا تزيد عن 130 جنيها، حتى تكررت المأساة على نفس الطريق، لتسفر عن مصرع 9 أشخاص وإصابة آخرين، فى تصادم سياريتين ميكروباص.
انتفض مجلس النواب فى جلسة عامة فى الحادث الأول، لكن صبيحة الحادث الجديد الذى وقع بعد أيام قليلة؛ ظلت الجلسة العامة هادئة، خالية من أى إشارة لاستمرار نزيف الطريق ذاته، أو لتكرار الحوادث والإهمال رغم التحذيرات السابقة.
ربما لا يبدو هذا التجاهل مفاجئًا، خاصة مع بعض سياسات الحكومة التى تصر على صرف النظر عن الحقائق، فسجلت الكاميرات وقوع حادث جديد خلال تفقد وزير النقل، الفريق كامل الوزير، للطريق الإقليمى نفسه عقب حادث فتيات السنابسة.
يفتح التناقض بين الانفعال المؤقت والتجاهل المتكرر، باب الأسئلة مجددًا حول دور البرلمان: أين المتابعة الحقيقية؟ وأين التقرير والاجتماعات واستدعاءات المسئولين الذى وعدت به لجنة النقل والمواصلات؟ وهل تحوّلت أدوات الرقابة البرلمانية إلى مجرد رد فعل موسمى مع الحوادث التى تثير الرأى العام ثم يهدأ بانتهاء الجلسة وتفريغ الغضب؟
رغم البيانات العاجلة وطلبات الإحاطة، لم تُستدعَ جهة واحدة للمساءلة فى مجلس النواب حتى الآن، ولم يحضر وزير أو مسئول أمام اللجنة أو الجلسة العامة، ومع تكرار الحوادث على نفس الطريق، يتراجع دور الرقابة البرلمانية فى المساءلة الواضحة، أو الدفع بتحقيقات جادة.
كان الأولى أن تدعو لجنة النقل والمواصلات ممثلا عن كل جهة من الجهات الشريكة فى إدارة الطرق، ووزير النقل والمواصلات إلى اجتماع فى اللجنة، كان عليها دعوة الصحفيين ومحررى الشئون البرلمانية لتغطية الاجتماع والخروج بتوصيات معلنة للرأى العام، حتى يستطيع البرلمان بأدواته اتخاذ قرارات جادة لصالح المواطن ولا نتركه لحكومة مصرة على الدفاع عن إنجازاتها فقط، بينما الدماء مستمرة على نفس الطريق.
الحكومة المعزولة
تؤدى عزلة الحكومة وغيابها عن الواقع إلى مزيد من الحوادث، إذ لم تتحرك لتدارك الخلل فى البنية الأساسية وأزمة الطريق الذى يدخل عامه الثانى فى انتظار استكمال الإصلاحات، ولا لمراجعة لمنظومة الإشراف أو توزيع المسئوليات بين الجهات المختلفة. تُحمّل الضحايا أو السائقين وحدهم تبعات الكوارث.
فى ظل هذه العزلة، يصبح الدم على الأسفلت مجرد «حادث فردى»، لا يستحق استدعاء وزير، ولا مراجعة خطة، ولا وقفة حقيقية لمحاسبة أى مسئول، بل تتجدد تصريحات وإعلانات التعويضات من وزارة التضامن الاجتماعى لأسر الضحايا والمصابين.
الرئيس يتدخل
عهدنا فى مراتٍ سابقة أن يأتى تدخل الرئيس حاسمًا فى ملفات كان ينبغى أن تُدار بكفاءة داخل الحكومة، والآن يعود دور الرئيس مرة أخرى، يوجّه مجددًا بإغلاق الطريق الإقليمى لحين انتهاء الإصلاحات، فى محاولة لوقف نزيف الأرواح.
يبدو أن تراخى الحكومة فى مواجهة المشكلات الحقيقية، وتراجع الدور الرقابى لمجلس النواب، يؤديان بنا فى كل مرة إلى اللحظة ذاتها: لحظة اضطرار رأس الدولة إلى التدخل المباشر فى تفاصيل تنفيذية يفترض أن تُدار بكفاءة ومحاسبة.
يتحول غياب الفعل الحكومى والرقابى إلى تهديد مباشر لحياة المواطنين، ويتركنا أمام مشهد مألوف من التدخل الرئاسى لاحتواء الكارثة.
كان النائب ضياء الدين داود، طالب خلال الجلسة العامة لمجلس النواب الأسبوع الماضى بتدخل رئاسى، اعتبر داود أن الرئيس الأقدر على اتخاذ هذا القرار وسط تضارب جهات الاختصاص المسئولة عن إدارة الطرق، وهو ما تحقق بالفعل بعد الحادث الثانى.
تتجاوز الأزمة حدود الطريق الإقليمى، فهو ليس سوى مرآة لظاهرة متكررة ما بين التراخى الحكومى أو الرقابى، وانتظار دور الرئيس دائمًا لإنقاذنا من دوامات الإهمال أو التجاهل أو التقصير.
كاتبة وصحفية متخصصة فى الشأن السياسى والبرلمانى