حماس ليست ذراعًا إيرانية
من الصحافة الإسرائيلية
آخر تحديث:
الإثنين 7 يوليه 2025 - 8:45 م
بتوقيت القاهرة
إن الحرب الحالية المؤلفة من حربين لم تنتهِ بعد. حاليا، تشهد الحرب مع إيران وقفا لإطلاق النار، ويدور الحديث حول اتفاق بين الولايات المتحدة وإيران، من غير الواضح ما إذا كان سيوقَّع، وما سيكون مضمونه، وهل ستتخلى إيران، فى إطاره، عن برنامجها النووى العسكرى، أم أن البرنامج سيتراجع فقط فترة زمنية غير معروفة. فالمنظومة الصاروخية الإيرانية تضررت، لكن لا توجد مؤشرات إلى أن إيران مستعدة لإلغائها، أو كبحها.
الحرب الثانية، ضد «حماس»، مستمرة منذ أكثر من عام وثمانية أشهر، وهى سيئة جدا بالنسبة إلى إسرائيل. هذه الحرب منفصلة عن حرب إيران، وتصوير «حماس» كـ«ذراع» أو «وكيلة» لإيران هو خطأ وخلق وهما، مفاده بأن وقف إطلاق النار مع إيران سيؤدى إلى إنهاء القتال فى غزة. تخوض «حماس» حربها الخاصة، وهى قادرة على الاستمرار، حتى من دون إيران.
لقد حان الوقت لإجراء خلاصة مرحلية للحربين الحاليتين. لا شك فى أن إسرائيل حققت إنجازات مذهلة فى الحرب مع إيران، وفى الأساس سلاح الجو والموساد، لكن ما تم تحقيقه لا يقترب إطلاقا من النصر الكبير الذى تحقّق فى حرب الأيام الستة.
لقد ظهرت مشكلات خطِرة إلى جانب الإنجازات الكبيرة. فالصواريخ الإيرانية ألحقت أضرارا جسيمة بالمدن الإسرائيلية، وتسببت فى سقوط عشرات القتلى ومئات الجرحى، ودمرت آلاف المساكن، ولأول مرة فى تاريخها، كانت إسرائيل تحت حصار فعلى، حيث أُغلق المطار طوال أيام الحرب مع إيران، وبقى عشرات الآلاف من الإسرائيليين عالقين فى الخارج.
هذه أيضا هى أول مرة فى تاريخها احتاجت فيها إسرائيل إلى مساعدة دول أجنبية، ليس فقط من أجل تزويدها بوسائل قتالية، بل أيضاً القيام بنشاط فعال: فى البداية، فى الدفاع ضد الصواريخ والطائرات المسيّرة، ولاحقا، فى القتال الأمريكى الفعلى فى إيران. كذلك يبدو كأن إسرائيل، على الأقل فى الوقت الراهن، لا تمتلك ردا كافيا على إطلاق الصواريخ.
كثير من الانتصارات ــــ لكن قليل من الردع
الحرب ضد «حماس» هى الأطول فى تاريخ إسرائيل، والنصر لا يزال بعيدا. ولأول مرة منذ قيام الدولة، تتعرض الجبهة الداخلية لأضرار بهذا القدر من الخطورة. افتُتحت الحرب بـ "هجوم" 7 أكتوبر، وفيما بعد، تسبّب حزب الله بدمار هائل فى شمال البلد. فتم إجلاء العديد من سكان الشمال، وبعضهم لم يعد بعد إلى مكان سكنه.
فى التقييم الإجمالى، عند احتساب العوامل المادية فقط (عدد الصواريخ والأسلحة، والسيطرة على الأرض، وحجم الخسائر، إلخ)، يبدو كأن إسرائيل حققت تفوقا، لكنها دفعت ثمنا رهيبا. تم إضعاف حزب الله و«حماس» بشدة، والنظام السورى انهار، وإيران فقدت علماء وقادة عسكريين، وتضررت صناعاتها النووية والصاروخية، لكن عندما نأخذ فى الاعتبار عوامل، مثل القوة السياسية، تصبح الصورة أقلّ وضوحاً بكثير.
اهتزت مكانة إسرائيل السياسية بشكل كامل، فى حين أن مكانة الفلسطينيين لم تتضرر فحسب، بل تعززت أيضا. هذا التراجع فى مكانة إسرائيل يشكل خطراً على العلم والثقافة والاقتصاد، فى وقت تتصاعد الدعوات إلى مقاطعة إسرائيل فى شتى المجالات. ومن الجدير التشديد على أن: الخطر لا يقتصر على هذه المجالات، بل يطال أيضاً الأمن، وقد يكلف أرواحاً بشرية.
على هذا الأساس، يجب دراسة استمرار الحرب فى غزة. إن عملية «مركبات جدعون» تُكبّدنا خسائر مؤلمة جدا، إلّا إن خسائر «حماس» أكبر كثيرا، لكن هذا التنظيم لا يجد صعوبة فى دفع ثمن خسائره، ولا فى تحمُّل الدمار ومقتل مئات الفلسطينيين غير المشاركين فى القتال.
وفقاً لنهج «حماس»، الوقت يعمل لمصلحتها. يبدو كأنها لا تكترث كثيرا للخسائر، وفى الأساس تلك التى تطال المدنيين غير المنخرطين فى القتال، وهى تتابع برضى نشر صور النساء والأطفال المصابين فى غزة يوميا، لأن هذه الصور تساهم فى تدمير مكانة إسرائيل الدولية.
إن إلقاء نظرة عامة إلى إسرائيل تُظهر أنها فى حالة حرب منذ قيامها، والتى بدأت حتى قبل ذلك عمليا، منذ لحظة تصريح بلفور. بين الحين والآخر، كان هناك فترات توقُّف قصيرة، سرعان ما كانت تنتهى باستئناف القتال. ترافق الجولة الحالية من الحروب تصريحات تقول إنه كلما ضربنا أعداءنا بقوة أكبر، كلما زادت قوة الردع لدينا. لكن الواقع المؤلم هو أن الضربات القاسية التى وجّهتها إسرائيل إلى أعدائها لم تمنع تجدُّد القتال (بعبارة أُخرى، لقد أثبت الردع أنه محدود).
فى حرب الأيام الستة [يونيو 1967]، تم تدمير الجيش المصرى تماما، ففقد معظم طائراته وآلياته المدرعة. كل هذا لم يردعه، ولم يمنع حرب الاستنزاف، أو حرب «يوم الغفران». لذلك، من المشكوك فيه أن الدمار الذى لحِق بغزة وإيران سيردع الحوثيين، أو مختلف الحركات «الإرهابية»، أو الإيرانيين.
ثمة أمر واحد تعلمناه من حرب الأيام الستة، ومن الحروب الحالية، هو أنها تؤدى إلى زيادة ضخمة فى ميزانية الأمن وإطالة فترة الخدمة العسكرية التى يصبح من الصعب جداً تقصيرها مجددا، بعد تمديدها.
كذلك تعلمنا من التجربة السابقة أن الأسلحة تزداد تطوراً باستمرار. نحن قادرون على مفاجأة العدو، لكن للأسف، نحن أيضا معرّضون لمفاجآت مؤلمة. تحقق الهدوء النسبى حتى اليوم، فقط عبر اتفاقيات سلام. لدينا اتفاقيات من هذا النوع مع مصر والأردن.
أضرار واسعة النطاق
السؤال المركزى الذى يواجهنا هو: كيف نواصل من هنا؟
من وجهة نظرى، المهمة الأولى والأعلى، من حيث الأولوية، هى ترميم مكانة إسرائيل السياسية. لذلك، عندما يُطرح الحديث عن زيادة هائلة فى ميزانية الأمن، فإن السؤال هو: أين توجَّه الاستثمارات؟ وفى رأيى، هناك حاجة أيضاً إلى استثمار فى تعزيز منظومة الإعلام والبث الإسرائيلى للعالم عموما، وللعالم الإسلامى خصوصا. من المجدى دراسة تأثير قطر والأضرار التى تُلحقها بنا من خلال منظومة بثّ وإعلام معادية، وذلك لفهم ما الذى يجب علينا فعله.
فى موازاة ذلك، هناك حاجة إلى سياسة يمكن تقديم مبررات منطقية لها. فإحدى الكوارث الأشدّ خطورةً، التى جلبتها لنا هذه الحرب، هى تصاعُد العنصرية والعداء تجاه المجتمع العربى فى إسرائيل، وتجاه الفلسطينيين عموماً. صحيح أن عرباً من الداخل نفّذوا أعمال شغب خلال عملية «حارس الأسوار»، وصحيح أيضا أن فى أوساطهم عناصر قومية تعارض إسرائيل الصهيونية، لكن هناك وجها آخر للعملة.
يشكل المواطنون العرب فى إسرائيل عنصرا أساسيا فى خدمات الصحة فى البلد. لقد اندمجوا فى سوق العمل، ولهم دور مهم فى مجالات إضافية، ومن بينهم من هم مستعدون وقادرون على تمثيل مواقف إسرائيل. يُعتبر دعم العناصر المعتدلة فى المجتمع العربى مصلحة إسرائيلية، ولا سيما عندما يتعلق الأمر بالطائفة الدرزية، التى لا يشكك أحد فى دعمها لإسرائيل.
بدلاً من ذلك، نشهد اعتداءات عنصرية على سائقى سيارات من العرب وتعبيرا عن الشماتة، بعد إصابة قرية عربية بصاروخ إيرانى. وأخطر من ذلك كثيراً هو الوضع فى الضفة الغربية، حيث ينشط إرهاب يهودى واسع النطاق ضد السكان الفلسطينيين. هذا الإرهاب لا تكبحه قوات الأمن، بل بالعكس، على ما يبدو، يتصرف الإرهابيون اليهود كأنهم يحظَون بالدعم، ليس فقط من بيئتهم القريبة، بل أيضا من الحكومة وبعض مكونات الائتلاف.
مؤخرا، بات هذا الإرهاب موجها أيضا ضد جنود الجيش الإسرائيلى، وضد أملاك ومعدات تُستخدم لأغراض أمنية. والسؤال: لماذا؟
إحدى الإجابات المحتملة هى أن قوات الأمن تحاول كبح الإرهاب اليهودى أحيانا، ولو بشكل رمزى، وهذا وحده كافٍ لإثارة غضب مؤيديه؛ هناك إجابة محتملة أُخرى هى أن الإرهابيين لا يكتفون بالسلوك المتراخى نسبيا للجيش والشرطة، الذين لا يوقفونهم، بل يتوقعون دعما فعليا من الأجهزة الأمنية لاعتداءاتهم على الفلسطينيين.
وفى الأثناء، إن ردة الفعل على الإرهاب اليهودى معتدلة جدا، مقارنة بما كان سيحدث لو أن «إرهابيين» فلسطينيين ارتكبوا أفعالا مشابهة ضد قوات الأمن. ومن الصعب أيضا تقبُّل الادّعاء أن الإرهاب اليهودى ليس سوى جنوح عادى، فى حين تُعرَّف الأفعال ذاتها، إذا ارتكبها فلسطينيون، بأنها «إرهاب». من المهم التأكيد أن الإرهاب يعنى استهداف أبرياء بدافع سياسى (أمّا الجنح العادية، فتنطلق من اعتبارات عامة، أو مشاعر شخصية). ودوافع الإرهاب اليهودى معروفة وواضحة.
من ناحية المصالح الإسرائيلية، إن استمرار القتال فى غزة و«الإرهاب» فى الضفة الغربية هما بمثابة كارثة وخطر كبير.
كل يوم يستمر فيه هذا الوضع يساهم فى تعميق تدهور مكانة إسرائيل السياسية، التى لم يتبقَّ لها فى هذا المجال أى احتياط.
علاوةً على ذلك، فإن الضرر لا يقتصر على المكانة الاقتصادية والثقافية للدولة، بل يطال أمنها أيضا.
دانيال فريدمان
معاريف
مؤسسة الدراسات الفلسطينية