نشر موقع بروجيكت سينديكيت مقالا للكاتب جوزيف ناى، يقول فيه أن أحداث 11 سبتمبر شكلت علامة فارقة فى تاريخ الولايات المتحدة تماما كما فعل الهجوم على قاعدة بيرل هاربور فى هاواى ودفع فى النهاية أمريكا إلى الانضمام للحرب العالمية الثانية... نعرض منه ما يلى:كانت الهجمات الإرهابية فى 11 سبتمبر 2001 بمثابة صدمة مروعة. صور الضحايا المحاصرين وهم يقفزون من برجى مركز التجارة العالمى لا تمحى، والتدابير الأمنية المشددة التى اُتخذت فى أعقاب الهجمات أصبحت واقعا وجزءا لا يتجزأ من الحياة الأمريكية.
لكن عددا كبيرا ساوره الشك بأن الهجمات ستشكل نقطة تحول جذرى فى تاريخ الولايات المتحدة، معللين وجهة نظرهم بأن الضرر المادى الفورى لم يكن قاتلا للقوة الأمريكية. حيث أشارت التقديرات إلى أن نمو الناتج المحلى الإجمالى للولايات المتحدة انخفض بمقدار ثلاث نقاط مئوية فقط فى عام 2001، وبلغ إجمالى طلبات التأمين على الأضرار أكثر من 40 مليار دولار ــ وهو جزء صغير من الاقتصاد الذى بلغ آنذاك 10 تريليونات دولار. وبالنسبة للضحايا فقتل ما يقرب من 3 آلاف شخص فى نيويورك وبنسلفانيا وواشنطن العاصمة، وهذا يمثل جزءا صغيرا من وفيات السفر الأمريكية فى ذلك العام.
لكن رغم صحة هذه الحقائق، إلا أنه من المرجح أن المؤرخين المستقبليين سيعتبرون 11 سبتمبر تاريخا مهما وفارقا مثل الهجوم اليابانى على بيرل هاربور فى 7 ديسمبر 1941. فالهجوم المفاجئ على القاعدة البحرية الأمريكية فى هاواى أسفر عن مقتل نحو 2400 من أفراد الجيش الأمريكى وتدمير أو إتلاف 19 سفينة بحرية، بما فى ذلك ثمانى سفن حربية. ومع ذلك، فى كلتا الحالتين (أحداث 11 سبتمبر والهجوم على قاعدة بيرل هاربر)، كان التأثير الرئيسى على السيكولوجية العامة.
بعبارة أكثر توضيحا، بعد هجمات بيرل هاربور، تخلت الولايات المتحدة عن سياسة الانعزالية وانضمت للحرب العالمية الثانية. وبالمثل، بعد صدمة الحادى عشر من سبتمبر أعلن جورج دبليو بوش «حربا عالمية على الإرهاب» وغزا أفغانستان والعراق بعد أن كان متبنيا سياسة خارجية متواضعة وحذر من إغراءات بناء الدول. وبالنظر إلى ميول كبار أعضاء إدارته، يقول البعض إن الصدام مع رئيس العراق آنذاك، صدام حسين، كان متوقعا على أى حال، وإن اختلفت الطريقة والتكلفة.
***
ما يوضحه الحادى عشر من سبتمبر هو أن الإرهاب يتعلق بالسيكولوجية وليس الضرر المادى. فالإرهاب حالة. بعبارة أكثر تفصيلا، تعتقد الولايات المتحدة، فى ظل امتلاكها جيش قوى، أن «الصدمة والرعب» تأتى من القصف المكثف. لكن بالنسبة للجماعات الإرهابية، تأتى الصدمة والرعب من التأثير النفسى أكثر من عدد الوفيات الناجمة عن هجماتهم. فالسموم قد تقتل الكثير من الأفراد، لكن الانفجارات تؤثر على الإدراك الذهنى والنفسى. باختصار، تكرار عرض انفجار برجى مركز التجارة العالمى على أجهزة التلفزيون العالمية كان الانقلاب أو الفارق الذى أحدثه أسامة بن لادن.
يمكن أيضا مقارنة الإرهاب بلعبة الجوجيتسو اليابانية، وفيها يحول الخصم الضعيف قوة لاعب أقوى منه ضد نفسه. وبتطبيق قواعد هذه اللعبة على هجمات الحادى عشر من سبتمبر، سنجد أن الهجمات قتلت عدة آلاف من الأمريكيين والأمريكيات، بينما «الحروب التى لا نهاية لها» التى شنتها الولايات المتحدة لاحقا قتلت عددا أكبر بكثير. إذن، الضرر الذى أحدثته القاعدة ضئيل مقارنة بالضرر الذى أحدثته أمريكا بنفسها.
وبحسب التقديرات، قُتل ما يقرب من 15 ألفا من العسكريين الأمريكيين فى الحروب التى أعقبت 11 سبتمبر، وتجاوزت التكلفة الاقتصادية 6 تريليون دولار. أضف إلى ذلك عدد القتلى من المدنيين والمدنيات واللاجئين واللاجئات، وازدادت التكاليف بشكل هائل. كما كانت تكاليف الفرص البديلة كبيرة جدا. فعندما حاول الرئيس باراك أوباما التحول إلى آسيا ــ الجزء الأسرع نموا فى الاقتصاد العالمى ــ وجد أن الحرب على الإرهاب أبقى الولايات المتحدة غارقة فى الشرق الأوسط.
على الرغم من هذه التكاليف، يقول البعض إن الولايات المتحدة حققت هدفها، فلم يكن هناك هجوم إرهابى كبير على الوطن الأمريكى بحجم هجمات 11 سبتمبر. قُتل بن لادن والعديد من كبار مساعديه، وأُزيل صدام حسين (على الرغم من أن علاقته بأحداث 11 سبتمبر كانت دائما مشكوكا فيها). لكن فى المقابل، يمكن إثبات أن بن لادن نجح، خاصة إذا اعتبرنا أن معتقداته تضمنت الاستشهاد الدينى أو الجهاد. فها هى الحركة الجهادية امتدت إلى المزيد من البلدان، وعادت طالبان إلى السلطة فى أفغانستان، ومن المفارقات، عادت قبل ذكرى 11 سبتمبر التى حددها الرئيس جو بايدن فى الأصل كموعد مستهدف لسحب القوات الأمريكية.
صحيح أنه من السابق لأوانه تقييم الآثار طويلة المدى لانسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان، لكن المؤكد الآن هو أن الآثار قصيرة المدى للخروج الفوضوى مكلفة، وعلى المدى الطويل، قد يُنظر إلى بايدن على أنه محق فى التخلى عن الجهود المبذولة لبناء الدولة فى بلد منقسم بين أطيافه المختلفة وتوحده بشكل أساسى معارضة الأجانب.
***
ستسمح مغادرة أفغانستان لبايدن بالتركيز على استراتيجيته الكبرى لمواجهة صعود الصين. وعلى الرغم من كل الأضرار التى لحقت بالقوة الناعمة للولايات المتحدة من خلال الطريقة الفوضوية للخروج من أفغانستان، فإن آسيا لديها دول مثل اليابان والهند وفيتنام لا ترغب أى منها فى أن تهيمن عليها الصين وترحب بوجود أمريكى على أراضيها. كذلك عندما يأخذ المرء فى الاعتبار أنه فى غضون 20 عاما من خروج أمريكا المؤلم من فيتنام، كانت الولايات المتحدة موضع ترحيب فى ذلك البلد وكذلك فى المنطقة، فإن استراتيجية بايدن ستكون منطقية.
فى الوقت نفسه، بعد مرور 20 عاما على أحداث الحادى عشر من سبتمبر، لا تزال مشكلة الإرهاب قائمة، وقد يشعر الإرهابيون بالجرأة على المحاولة مرة أخرى. لذلك، فإن مهمة قادة الولايات المتحدة هى تطوير استراتيجية فعالة لمكافحة الإرهاب. يجب أن يكون جوهرها هو تجنب الوقوع فى فخ الإرهابيين من خلال إلحاق ضرر كبير بنفسها. يجب أن يخطط القادة لإدارة الصدمات النفسية فى الداخل والخارج معا.
لنتخيل كيف سيكون العالم لو تجنب بوش الدعوات الصاخبة لشن حرب عالمية على الإرهاب ورد على أحداث 11 سبتمبر بضربات عسكرية منتقاة بعناية مصحوبة باستخبارات ودبلوماسية جيدة أو انسحب من أفغانستان بعد ستة أشهر، حتى لو تضمن ذلك التفاوض مع طالبان المتطرفة.
فى كل الأحوال، عندما تتعرض الولايات المتحدة للهجمات الإرهابية التالية، هل سيتمكن الرؤساء الأمريكيون من إقناع الرأى العام بالانتقام من خلال الاستهداف الدقيق، وشرح الفخ الذى نصبه الإرهابيون، والتركيز على مرونة رد الولايات المتحدة؟ هذا سؤال يجب أن تطرحه الأمة الأمريكية، ويجب على قادتها معالجته من الآن.
إعداد: ياسمين عبداللطيف زردالنص الأصلى: