مصر وتركيا.. تفاهمات قد تحل أزمات كثيرة
عماد الدين حسين
آخر تحديث:
السبت 7 سبتمبر 2024 - 8:05 م
بتوقيت القاهرة
هل يمكن أن ينعكس التقارب المصرى التركى على تسوية بعض القضايا العربية والإقليمية؟
الإجابة هى نعم مؤكدة إذا اقتنعت تركيا أن استدامة هذه العلاقات بصورتها الجديدة تتطلب أن تراعى الشواغل والمصالح المصرية، مثلما أن القاهرة تراعى الشواغل التركية.
بالأمس ناقشنا كيف تطورت علاقات البلدين من مرحلة القطيعة شبه الكاملة بعد ثورة 30 يونيو 2013 إلى الانفراجة غير المتوقعة طوال السنوات الثلاث الماضية، وتكللت بزيارة رئيس الوزراء التركى رجب طيب أردوغان للقاهرة، فى فبراير الماضى، وزيارة الرئيس عبدالفتاح السيسى لأنقرة يوم الأربعاء الماضى.
قلنا ونكرر إن علاقات الدول والحكومات تقوم على المصالح والمنافع المتبادلة، وليس على العواطف والمشاعر، واليوم نحاول أن نترجم ذلك على أرض الواقع فيما يخص إمكانية انعكاس هذا التقارب لحل بعض قضايا ومشاكل وأزمات المنطقة.
من يتأمل كلمة الرئيس السيسى فى المؤتمر الصحفى مع أردوغان سوف يكتشف دلالات مهمة.
السيسى يقول: الزيارة تؤسس لمرحلة جديدة من التعاون والتكامل بين البلدين وأن مصر تعتز بالعلاقات التاريخية والإرث الحضارى والثقافى المشترك مع الشعب التركى. ورغم الخلافات السياسية بين البلدين فى الفترة من 2013 حتى 2021، فقد شهدت العلاقات التجارية والسياحية والاستثمارية نموًا ملحوظًا.
الرئيسان السيسى وأردوغان ترأسا الاجتماع الأول لمجلس التعاون الاستراتيجى رفيع المستوى بين البلدين، ووقعا العديد من مذكرات التفاهم، والهدف رفع حجم التبادل التجارى إلى 15 مليار دولار خلال السنوات الخمس المقبلة.
الجانب الاقتصادى فى علاقات البلدين مهم جدًا، لكن الجانب السياسى أكثر أهمية، لأنه ينعكس سلبًا أو إيجابًا على بقية المجالات، ولذلك كان واضحًا للجميع أن مواقف البلدين من العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة والتصعيد فى الضفة الغربية متطابقة تقريبًا. فالبلدان يرفضان العدوان، وهما يواجهان إسرائيل سياسيًا ودبلوماسيًا وفى مجالات أخرى كثيرة، وأظن أن التنسيق بين البلدين فى هذا الملف سيسهم فى حصار إسرائيل سياسيًا ودبلوماسيًا، وربما يجعلها تفكر كثيرًا فى مغبة التصعيد المنفلت الذى يقوده نتنياهو وحكومته المتطرفة.
ليس خافيًا أن هناك خلافات عميقة بين البلدين بشأن الأزمة الليبية. والسبب معروف، وهو دعم الحكومة التركية للميليشيات والمرتزقة فى طرابلس. وبالتالى فإن الرئيس السيسى، قال إنه تم الاتفاق على التشاور بين مؤسسات البلدين لتحقيق الاستقرار الأمنى والسياسى فى ليبيا، وأهمية طى صفحة الماضى الماضى وخروج القوات الأجنبية غير المشروعة والمرتزقة من البلاد، وإنهاء ظاهرة الميليشيات المسلحة حتى يمكن إنهاء الانقسام وتحقيق الأمن والاستقرار.
أظن أن الزيارة يمكن أن تلعب دورًا مهمًا فى هذا الصدد، بما يقود فعلًا إلى طى صفحة الماضى وتحقيق الاستقرار، لأن التنسيق والتشاور سيقضى على فئة المستغلين للخلاف المصرى التركى والمستفيدين منه.
وما ينطبق على ليبيا ينطبق إلى حد ما على الأزمة السورية، فمصر تؤيد وحدة الأراضى السورية ووحدة مؤسساتها، فى حين تدعم تركيا أطرافًا مناوئة للحكومة السورية ما أدى إلى استدامة الأزمة.
ويمكن لمصر أن تلعب دورًا مهمًا فى جهود المصالحة بين تركيا وسوريا بما يعود بالخير على مصالح البلدين.
أيضًا يمكن أن تنعكس المصالح المصرية التركية على الأوضاع فى شرق المتوسط، بما يقود إلى حل الخلافات المستمرة بين تركيا وكل من اليونان وقبرص، ويتيح استفادة جميع الأطراف من ثروات الطاقة الموجودة فى مياه المتوسط.
أظن أيضًا أن العلاقات الجديدة بين البلدين ستنعكس إيجابًا على الأزمة السودانية، خصوصًا أن رؤية البلدين ليست متناقضة بشأن هذه الأزمة.
نفس الأمر ينطبق على الأوضاع فى القرن الإفريقى خصوصًا الصومال، لأن رؤية ومواقف البلدين قريبة إلى حد ما، فالعلاقات المصرية الصومالية جيدة جدًا، ومصر وعدت بحماية الأمن والاستقرار ووقعت مع الحكومة الصومالية بروتوكولًا للتعاون العسكرى مؤخرًا، فى حين وقعت مقديشيو أيضًا اتفاقًا مع تركيا لحماية سواحلها، علمًا بأن هناك علاقات تركية جيدة مع إثيوبيا يمكن أن تقنع الأخيرة بوقف سياسة البلطجة، التى تمارسها سواء فى الصومال أو فى قضية مياه النيل.
إذن زيارة السيسى لأنقرة والتفاهمات المصرية التركية الأخيرة يمكنها حل كثير من مشاكل المنطقة أو على الأقل التخفيف منها بشرط وحيد، وهو أنه تخلص النوايا، وكذلك اتنبه للقوى المتربصة الباحثة عن استمرار التوتر فى المنطقة خصوصًا إسرائيل، والجماعات المتاجرة بالدين.