أسعار النفط والاقتصاد.. ما بين التأثير والتأثر
أيمن النحراوى
آخر تحديث:
الثلاثاء 7 ديسمبر 2021 - 8:25 م
بتوقيت القاهرة
ترتبط أسعار النفط العالمية بالعديد من العوامل التى تؤثر على مستواها، والتى تتمثل أكثر ما يكون فى تفاعل قوى العرض والطلب فى سوق النفط العالمية، وفى الوقت الراهن، ومع اقتراب دخول فصل الشتاء فى نصف الكرة الشمالى، وزيادة الطلب على النفط لاستخدامه فى أغراض الطاقة والتدفئة، يمكن اعتبار ذلك أحد العوامل التى تتسبب فى ارتفاع أسعار النفط فى مثل هذا الوقت من كل عام، ولا سيما أن البدائل الأخرى للنفط مثل الغاز الطبيعى والفحم، تعد أيضا فى مستويات أسعار مرتفعة نسبيا نتيجة زيادة الطلب العالمى عليها، ومع ارتفاع أسعار الغاز الطبيعى والفحم فى الأسواق العالمية واحتمال استمرار ذلك الارتفاع، الأمر الذى تسبب فى تحول بعض المستخدمين النهائيين إلى النفط كبديل، ومع ذلك التحول يتوقع حدوث موجات جديدة من الزيادة فى الطلب تتبعها ارتفاعات موازية فى أسعار النفط.
من جهة أخرى فقد تسببت العوامل الجوية العاتية فى خليج المكسيك لإضافة عامل آخر أدى إلى إرتفاع الأسعار العالمية، حيث أدت الأعاصير الشديدة إلى توقف العديد من منشآت استخراج النفط فى تلك المنطقة الهامة والتى تمد الولايات المتحدة بجزء رئيسى من احتياجاتها من النفط، حيث قامت شركات استخراج النفط والغاز بإخلاء 290 منصة بحرية ونقلت 11 سفينة حفر وتنقيب من موقعها، الأمر الذى تسبب فى توقف ما نسبته 91% من إنتاج النفط فى خليج المكسيك، وبقاء 1.65 مليون برميل خارج الإمدادات فى الولايات المتحدة، فى الوقت الذى تجاوز فيه الطلب على النفط فى الولايات المتحدة 19 مليون برميل/ يوم، كما أظهر تقرير وكالة معلومات الطاقة (EIA) أن مخزونات الخام الأمريكية انخفضت الأسبوع الماضى إلى أدنى مستوى منذ سبتمبر 2019 كما أشارت الإحصاءات إلى انخفاض حاد فى مخزونات النفط فى منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية OECD لتسجل أدنى مستوى لها منذ 2015.
وفى ظل التوجه العالمى لدى العديد من الحكومات لاحتواء تداعيات أزمة كوفيد 19، والعودة إلى الحياة الطبيعية وعودة الأنشطة الاقتصادية المختلفة إلى مستواها ما قبل الأزمة، وعلى سبيل المثال فإن إعلان الصين عن إتمام تقديم اللقاح لأكثر من مليار شخص قدم مؤشرات على عودة عجلات الإنتاج فى الصين لمستوى ما قبل الأزمة، ودعم توقعات نمو الطلب العالمى على النفط، وعودة الأسعار إلى الارتفاع الأمر الذى أدى إلى قيام الصين بالسحب من المخزونات الاستراتيجية لديها والبالغة أكثر من 200 مليون برميل للحد من ارتفاع الأسعار وتأثيره على الاقتصاد الصينى.
كما أن الدول الصناعية الكبرى فى آسيا وأوروبا بدأت فى إعادة تشغيل جميع مصانعها لتلبية عودة الطلب الاستهلاكى العالمى على المنتجات المصنعة، الأمر الذى أدى إلى تزايد الطلب العالمى على النفط لتلبية احتياجات الصناعة، ومن ثم كان ارتفاع أسعار النفط، وجاء هذا الارتفاع فى أسعار النفط الخام خلال التعاملات فى ظل التفاؤل بتعافى الاقتصاد العالمى من تداعيات أزمة جائحة كوفيد 19، وخاصة بعد إقرار مجلس النواب الأمريكى لحزمة التحفيز الأمريكية الضخمة والتى تقدر بنحو 1.9 تريليون دولار لدعم الاقتصاد الأمريكى فى التعافى من تداعيات الجائحة.
وكانعكاس لارتفاع الأسعار العالمية للنفط، فقد ارتفعت أسعار وقود السفن Ship Bunker فى الموانئ الآسيوية، وفى ظل تلك التطورات يتوقع أن يقوم ملاك السفن فى حالة استمرار ارتفاع أسعار النفط بمحاولة نقل عبء الزيادة فى أسعار الوقود إلى مستأجرى السفن Ship Charterers الأمر الذى سينعكس فى ارتفاع قيمة مشارطات إيجار السفن، ومن جانبهم سوف يقوم مستأجرو السفن وكذلك ملاكها ومشغليها بمحاولة نقل عبء الزيادة فى سعر الوقود إلى الشاحنين أو متعهدى الشحن فى شكل علاوة ارتفاع أسعار الوقود Bunker Surcharge، ويتوقع على إثر ذلك ارتفاع فى قيمة نوالين الشحن التى ستحمل بالتبعية على المصدرين والمستوردين، ثم يتحملها المستهلك النهائى فى آخر الأمر، وهو ما يسهم فى تعزيز الضغوط التضخمية، ولا سيما فى الدول التى تعتمد بصفة رئيسية على الاستيراد من الخارج ومن بينها مصر.
الأثر على قناة السويس
ومن المؤكد أن ارتفاع الأسعار العالمية للنفط كمادة خام، يتسبب فى زيادة تكلفة الممرات البديلة والمنافسة لقناة السويس مثل رأس الرجاء الصالح، الأمر الذى يجعل الشركات المالكة لناقلات النفط تقرر اختيار المسار الأقل تكلفة والأقل استهلاكا للوقود، وبالطبع فهذا يعنى اختيار قناة السويس التى تحقق تلك الوفورات الكبرى لناقلات النفط من حيث التكلفة والوقت.
من جهة أخرى واعتبارا لأن ناقلات النفط العملاقة لا تعبر قناة السويس بكامل حمولاتها من النفط، حيث تقوم بتخفيف جزء منها فى العين السخنة لتمر عبر خط أنابيب سوميد، أو تقوم بتفريغ حمولتها لتعود فارغة، فمع ارتفاع أسعار البترول سينعكس ذلك على الناقلات الفارغة التى ستفضل العودة عبر قناة السويس، من أجل ذلك قررت هيئة قناة السويس منح تخفيض قدره 48% من رسوم العبور لناقلات البترول الخام العملاقة القادمة من شمال غرب أوروبا حتى ميناء جبل طارق، والمتجهة إلى جنوب شرق آسيا والشرق الأقصى.
الأثر على الاقتصاد المصرى
واعتبارا لأن الاقتصاد المصرى مازال يعتمد على استيراد كميات كبيرة من أنواع معينة من المشتقات النفطية من الخارج، وبالتالى فإن ارتفاع الأسعار العالمية للنفط، يتوقع أن تنعكس فى ارتفاع أسعار المشتقات النفطية التى تستوردها مصر، وبالتالى فمن المتوقع أن ترتفع أسعارها السوقية خلال الفترة القادمة، ولا سيما فى ظل سياسة الحكومة المصرية برفع الدعم تدريجيا عن المشتقات النفطية مثل البنزين والمازوت.
وعلى المدى المتوسط والطويل يتوقع أن تأثير ارتفاع أسعار النفط على الاقتصاد المصرى لن يكون مؤثرا بشكل كبير، كون الحكومة المصرية قد انتهجت خلال الفترة الماضية سياسة تستهدف تحقيق الاكتفاء الذاتى من المشتقات البترولية، اعتمادا على إحلال الغاز الطبيعى محل المازوت والبوتاجاز والبنزين والسولار، ويضاف إلى ما سبق أن الحكومة المصرية قد وقعت عقودا للتحوط من ارتفاع الأسعار العالمية للنفط عن المقدر لها فى الموازنة خلال العام المالى الجارى، ومن ثم لا نتوقع حدوث تأثيرات سلبية كبيرة على الخزانة العامة.
من جهة أخرى فإن ارتفاع الأسعار العالمية من النفط من المتوقع أن تنعكس فى ارتفاع أسعار المنتجات البتروكيماوية ووقود الطائرات والنافتا التى يتم تصديرها من مصر للخارج، بما تتحقق معه الإيرادات لشركات البتروكيماويات المصرية والأسمدة ومعامل التكرير.
الأثر على التجارة الخارجية المصرية
من المتوقع أن تستمر الاتجاهات التصاعدية الحالية فى أسعار النفط، متواكبة مع ظهور موجة تضخم عالمى رصدتها العديد من المؤسسات الاقتصادية والمالية العالمية، وفى ذات الوقت واصل مؤشر منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة لأسعار الأغذية ارتفاعه فى سبتمبر 2021 وذلك بنسبة 32.8% على أساس سنوى و1.2% على أساس شهرى، وهو ما تسبب فى الارتفاع الحادث حاليا فى أسعار الزيوت النباتية والحبوب والسكر، ويتوقع أن تمتد تلك التأثيرات على أسعار العديد من السلع التى يتم استيرادها من الخارج والتى شهدت ارتفاعا فى أسعارها فى الدول المصدرة، متواكبا مع زيادة كبيرة فى نوالين الشحن البحرى على مستوى العالم، الأمر الذى انعكس فى ارتفاع أسعار تلك السلع فى مصر.
وعلى سبيل المثال فإن ارتفاع أسعار النفط بنسبة 10%، عادة ما تتبعه زيادة نوالين النقل البحرى والبرى أسعار بنسبة تصل إلى 30%، وعليه فإن زيادة نولون نقل طن القمح بمقدار 10 دولارات للطن، يعنى أن الاقتصاد المصرى الذى يستورد سنويا زهاء 12 مليون طن من القمح، سيكون عليه أن يتحمل 120 مليون دولار (نحو 19 مليار جنيه)، قيمة الزيادة التى تسبب فيها ارتفاع أسعار النفط، فيما يتعلق بالقمح فقط، وهو عبء هائل على عاتق الاقتصاد المصرى والخزانة المصرية.
وختاما يطرح السؤال نفسه... ماذا سيحدث فى العالم لو تحققت التوقعات بارتفاع أسعار النفط إلى مائة دولار؟!