الصناعة النفطية السورية

صحافة عربية
صحافة عربية

آخر تحديث: الأربعاء 8 يناير 2025 - 8:55 م بتوقيت القاهرة

فى الحديث عن الصناعة النفطية السورية، تتوجب العودة إلى الإحصاءات والمعلومات المتوافرة فى الأدبيات النفطية المتخصصة لما قبل نشوب ثورة عام 2011، وما تبعها من شائعات فى حينه حول أنّ أحد أسباب الثورة الرئيسية هو تعذر تشييد خط أنابيب غاز قَطرى إلى تركيا ومن ثم إلى أوروبا، نظرًا إلى خلافات جيوسياسية حول عدم إمكانية عبور خطوط أنابيب شمال دولة قطر. هذا، مع العلم، أن الأغلبية الساحقة لصادرات قطر هى تصدير الغاز المسال عبر أسطولها البحرى المتخصص، وليس عبر خطوط الأنابيب، الذى يعد من الأكبر عالميًا.

 


كذلك هناك شائعة سادت عند بداية ثورة 2011 حول «عدم السماح» لسوريا باكتشاف وتطوير حقولها الغازية العملاقة، رغم أنه لم يجرِ الإعلان رسميًا عن مسح الأراضى السورية أو إمكانية توافر حقول غازية ضخمة.
تشير الإحصاءات السورية النفطية خلال الفترة ما قبل ثورة عام 2011 إلى أن معدل الإنتاج خلال الفترة من 2008 إلى 2011 بلغ نحو 400 ألف برميل يوميًا، وأن الغالبية العظمى من الصادرات، التى بلغت نحو 200 ألف برميل يوميًا، توجهت إلى الأقطار الأوروبية. وبما أن الريع النفطى قبل ثورة 2011 توجّه مباشرةً إلى الرئاسة، فمن الصعب الحصول على معلومات دقيقة عن ريع سوريا من صادراتها النفطية خلال الفترة التى سبقت الثورة.
فى أثناء الثورة، تدهور الإنتاج النفطى السورى إلى نحو 15 ألف برميل يوميًا عام 2015، حسب إدارة معلومات الطاقة الأمريكية، ونحو 40 ألف برميل يوميًا من النفط الخام والسوائل، حسب تقديرات صحيفة «الشرق الأوسط».
عانت الصناعة النفطية السورية من سلبيات عدة فى أثناء الحرب. فالأغلبية الساحقة من الحقول توجد شرقًا؛ حيث سيطرة قوات الميليشيات على هذه المناطق، مما دفع الشركات العالمية الكبرى العاملة هناك إبان اندلاع الحرب الأهلية («توتال» الفرنسية، و«كونوكو» الأمريكية، و«شل» الأوروبية) إلى الانسحاب حرصًا على سلامة موظفيها وعمالها، مما دفع الميليشيات إلى الاستيلاء على الحقول. وقد لعبت الميليشيات (المتطرفة والكردية) أدوارًا عدة سلبية خلال سيطرتها هذه: الإنتاج من الآبار والحقول بطرق بدائية، مما أضر باحتياطيات الحقول والآبار وتسبب بتقليص الطاقة الإنتاجية.
هذا سيعنى بدوره إعادة درس أوضاع الآبار الفنية فى المستقبل من شركات الخدمات الهندسية النفطية العالمية، وهو ما قد يأخذ سنوات لإمكانية استعادة طاقتها السابقة. وهناك أيضًا التفجيرات والتخريب للمنشآت النفطية، إذ تحولت منطقة عمليات شركة «كونوكو» الأمريكية مثلاً إلى قاعدة للجيش الأمريكى التى لطالما جرى قصفها من مجموعات «الحرس الثورى» الإيرانى و«الحشد الشعبى» العراقى.
عملت الميليشيات والعصابات على تهريب النفط إلى أطراف متعددة: المصافى التركية، والقوات العسكرية للنظام السابق، والسكان المدنيين فى المناطق الوسطى والشرقية، بل حتى إلى الجيوش الأجنبية نفسها. وشارك فى عمليات التهريب هذه عصابات من الفاسدين والمفسدين ذات علاقة بالسلطات وعمليات التهريب. واستطاعت الميليشيات الاستفادة من الوقود المهرّب عبر الحدود اللبنانية ــ السورية غير الشرعية لتلبية جزء من الطلب المحلى السورى. كما تسلمت سوريا شحنات غير محددة أو منتظمة من النفط العراقى (عبر البر) والنفط الإيرانى (عبر البحر).
أدى التهريب أو الحصول على النفط بطرق ووسائل غير مبرمجة، إما إلى جنى ثروات هائلة (ملايين الدولارات للميليشيات وأركان النظام الذين كانوا يقدمون لهم الحماية اللازمة لتسهيل التهريب لقاء مشاركتهم فى الأرباح)، أو إلى الانقطاعات المستمرة للوقود فى الأراضى السورية، تلك التى تحت سيطرة النظام، أو خارج سيطرته.
وتسبب هذا الوضع المربك للحصول على إمدادات منتجات الوقود النفطية، فى نشوء سوق سوداء لهذه المنتجات، التى شحَّت من الأسواق لفترات متكررة، حيث وصلت أسعارها إلى مستويات خيالية متأثرةً كذلك بارتفاع قيمة الدولار، بالإضافة إلى محاولات التهرب من «قانون قيصر» الأمريكى لفرض الحصار على سوريا.
لا يمكن الكلام عن الصناعة النفطية السورية فى العقود الماضية، من دون الإشارة إلى الخسارة الجيوسياسية فى تعطيل خطوط أنابيب الترانزيت للنفط الخام السعودى (عبر جنوب لبنان)، والعراقى (إلى بانياس)، وإلى طرابلس (شمال لبنان). فقد كانت الدول العربية المصدّرة للنفط تدفع كل منها ملايين الدولارات سنوياً للخزانة السورية مقابل تعرفة الترانزيت، هذا ناهيك بتشغيل عشرات المؤسسات المحلية فى كلٍّ من سوريا ولبنان للقيام بأعمال الصيانة والخدمات. وقد جرى إغلاق هذه الخطوط بسبب «تفجيرات غامضة» لم تكن السلطات السورية «بعيدة عنها» أو لخلافات «سياسية-اقتصادية» مع الدولة المصدّرة. ومهما كان السبب، فقد خسرت سوريا كثيرًا من الثقة بدورها بوصفها دولة ترانزيت للنفوط المصدَّرة غربًا.
ولن يكون من السهل تشييد أنابيب ترانزيت جديدة عبر سوريا نظرًا لانخفاض الطلب على النفط الخام أوروبيًا وتحول الولايات المتحدة إلى دولة مصدرة للنفط الخام. إذ تبلغ نسبة الصادرات الخليجية والعراقية إلى الأسواق الآسيوية فى الوقت الحاضر نحو 60-70 فى المائة من مجمل صادراتها النفطية. من الجدير بالذكر هنا أنّ العراق لجأ إلى تشييد خط أنبوب كركوك-جيهان التركى نظرًا للمضايقات التى واجهها من السلطات السورية سابقًا.
ستواجه الصناعة النفطية السورية تحديات وفرصاً فى المستقبل المنظور، تتبلور حول:
- الاستفادة من الترحيب العربى الرسمى بإزاحة نظام الأسد. هذا الترحيب الذى ينتظر خطوات عملية من النظام الجديد لفك الارتباط عن السياسات الداخلية والخارجية السابقة. ففى حال توقُّف الممارسات السابقة بشكل ملموس، يصبح من الممكن المساعدة ماليًا، لكن من غير المعتاد تاريخيًا تقديم مساعدات لدعم الصناعات النفطية. إلا أنه من الممكن تقديمها عبر قروض ضئيلة الفائدة من الصناديق الاقتصادية أو شركات تمويل عربية، لدعم قطاع الكهرباء.
-فى حال استقرار البلاد، وتحسين العلاقات الدولية، فإن ذلك سيفتح المجال أمام الشركات النفطية العالمية للعودة إلى العمل فى الأراضى السورية. من الممكن أن تعود الشركات الدولية التى كانت تعمل هناك سابقًا، والتى اضطرت إلى الانسحاب مع نشوب حرب 2011.
يبقى السؤال حول إمكانية عودة الشركات الروسية النفطية التى نشطت فى سوريا خلال عهد النظام السابق، وكذلك ولوج الشركات النفطية الصينية. وستختلف طبعًا طبيعة المفاوضات حول مشاركة شركات هاتين الدولتين عن مفاوضات الدول الغربية.
وفى نهاية المطاف، سيعتمد الانفتاح الاقتصادى هذا، برمته، على الموافقة الأمريكية لتخفيف «قانون قيصر» الذى سيؤدى إلى إكمال تشييد خط الغاز العربى لنقل الغاز المصرى إلى تركيا ومن ثم إلى أوروبا.
ومن الأمور التى من الممكن أن تنظر فيها السلطات السورية استعادة الخبرات السورية النفطية فى دول الاغتراب، تحديدًا أولئك الذين عملوا لسنوات كثيرة مع شركات أو مؤسسات طاقة ونفط فى الخارج، للاستفادة من خبراتهم فى دعم شركة النفط الوطنية التى جرى تهميشها فى ظل النظام السابق.

 


وليد خدورى
خبير اقتصادى من العراق
صحيفة الشرق الأوسط اللندنية

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved