1914
جميل مطر
آخر تحديث:
السبت 8 فبراير 2014 - 5:25 ص
بتوقيت القاهرة
نشرت مجموعة «الأزمات الدولية» تقريرا عن أهم المشكلات التى يرثها عام 2014 من العام السابق. فى الوقت نفسه، نشرت مجلة نيوريبابليك الأمريكية، نقلا عن مجلة نيوستيتسمان البريطانية، تقريرا عن الظروف التى سادت أوروبا والعالم قبل نشوب الحرب العالمية الأولى فى عام 1914، أى قبل مائة عام. لن أقول: «ما أشبه الليلة بالبارحة»، ولكنى أدعو للتأمل فى قائمة المشكلات التى تشكل بدورها الظروف التى تسود العالم فى حالته الراهنة، وسأحاول ايجازها فى سطور قليلة.
<<<
(1) جنوب السودان.. فى أوائل يناير اتهمت حكومة جوبا عددا من قادة المعارضة وبينهم نائب الرئيس بالخيانة العظمى. نشب القتال واستمر تدهور الأوضاع، وسارعت أجهزة الاتحاد الأفريقى بعرض الوساطة، وكان واضحا على امتداد التدهور أن الولايات المتحدة والصين قلقتان إلى درجة قصوى، وأن دولا أخرى فى أفريقيا استعدت للتدخل عسكريا، وبالفعل قيل إن أوغندا تدخلت. ولاحظنا أن مصر أبدت اهتماما، ولكنه الاهتمام الذى يعكس ترددا أو خيبة أمل.
(2) امتد لهيب العنف فى ليبيا من شرقها إلى بقية أنحائها، إذ اشتبكت قبائل عديدة فى حرب أهلية عنيفة وتوقف تصدير النفط. وتوترت العلاقة مع مصر بعد اختطاف دبلوماسيين مصريين، وكادت الأمور تزداد تدهورا بين البلدين. هكذا تكون الاضطرابات قد استكملت حصارها لمصر من الشرق والغرب والجنوب ومن داخلها ومشتتة جهود حراسها.
(3) فى العراق اشتعلت محافظة الأنبار بحرب توقعها الكثيرون من خبراء المنطقة وخارجها، وهى حرب استعدت لها القاعدة بتنظيماتها المتعددة، لتشنها ضد الجميع وفى كل مكان، ومتسببة فى نشر حالة استبداد غوغائى وقمع أمنى فى الشرق الأوسط، وهو غاية مرادها.
(4) وفى لبنان، قامت فصائل متطرفة تدعى الانتماء إلى طائفة السنة بشن غارات تفجير ضد أهداف مدنية شيعية وإيرانية، بحجة الانتقام لتدخل حزب الله فى سوريا. لم يعد خافيا أن الهجمات المتبادلة تعكس تصعيدا فى التوتر المتصاعد بين المملكة السعودية وإيران، وسباقا على النفوذ فى الهلال الخصيب وسعيا وراء كسب جانب مصر أو على الأقل حرمان الآخر من هذا الرصيد وإن كان ما يزال رصيدا مؤجلا، فى الوقت نفسه استمرت محاولات أطراف أخرى جس نبض «السلطة» المصرية حول استعدادها القيام بدور ما فى التهدئة ووقف التصعيد.
(5) فى تايلاند وبنجلاديش، كما فى أوكرانيا، يكاد الغرب يفقد مواقع ديمقراطية تضاف إلى مواقع أخرى انتكست فيها مسيرة الديمقراطية. فى تايلاند سيطرت الجماهير على دواوين الحكومة وحطمت كثيرا من صناديق الانتخاب، وفى بنجلاديش أصدر القضاء أحكاما بالإعدام على قادة الجماعة الإسلامية لارتكابهم جرائم قيل إنهم ارتكبوها قبل عقود عديدة. الكارثة الأكبر يتوقعها الغرب فى تركيا إذا استمر أردوجان يخلط بين زعامته والمصلحة القومية لتركيا.
(6) وفى الفلبين، توصلت حكومة مانيلا لاتفاق سلام، ربما الخامس أو السادس، مع قادة الأقلية الإسلامية فيها، لتتفرغ لحرب إعلامية مع الصين تتهمها فيها بأنها تسعى لاحتلال جزر فى بحر الصين تماما كما فعلت ألمانيا النازية عندما قررت غزو تشيكوسلوفاكيا فتسببت فى إشعال الحرب العالمية الثانية. لا مبالغة فى القول المتردد كثيرا هذه الأيام بأن الوضع فى شرق وجنوب شرقى آسيا يهدد العلاقة بين الصين وأمريكا، بل لعله أشبه ما يكون بالوضع قبل حرب 1914 حين شعرت بريطانيا، الدولة الأعظم، بأن ألمانيا تتقدم بسرعة كمنافس لها.
(7) وفى أفغانستان، يبدو أن الطالبان يستعدون لحروب ما بعد الجلاء، وهى الحروب التى ستنشب فور خروج الحلفاء من أفغانستان فى نهاية العام. كل الأطراف متوجسة شرا. يريد الأمريكيون أن يوقع كارزاى فورا على اتفاق يسمح ببقاء عدد من جنود الناتو بعد الانسحاب الأمريكى، بينما يشترط كارزاى وعدا من الغرب بمعونات ضخمة وخريطة طريق تلتزم بها الطالبان والحلفاء وباكستان والهند. من ناحية أخرى تريد واشنطن الاطمئنان إلى أن إيران تلتزم بلعب دور نشط فى صنع مستقبل أفغانستان وأن تلتزم الصين بدور تنموى وبناء. لا أحد يستبعد تماما أن ينفجر الوضع فى وجه كل هذه الأطراف قبل نهاية هذا العام.
(8) تظل مصر وسوريا على رأس القائمة. هناك قلق متداول فى أروقة العواصم الغربية حول احتمالات عودة «الدولة» فى مصر إلى سابق عهودها السلطوية. الأمر الذى يحمل فى طياته تكرارا مؤكدا للانتفاضات والأزمات واستمرار الفوضى ضاربة أطنابها فى المنطقة بأسرها. وهناك أيضا ترقب، وعمل فى دهاليز المؤتمرات الدولية، من أجل خلق وضع سورى جديد يكون نموذجا مصغرا لوضع إقليمى جديد.