الشهامة والمروءة في مواجهة الاستسلام
علي محمد فخرو
آخر تحديث:
الأربعاء 8 يونيو 2022 - 8:00 م
بتوقيت القاهرة
تظل الأرض العربية تزخر بالمشاهد السريالية في حقل السياسة، حيث تتواجه المروءة والشهامة وعزة النفس مع أضدادها وما يناقضها من قيم وأخلاق ذميمة.
في العراق، الذي يظل ملتزماً بقوميته العروبية بالرغم مما أصابه من الهجمة الاستعمارية الأميركية – الصهيونية ومن تدخلات جيرانه التي لا تنقطع، أظهر الشعب العراقي التزامه القومي الرائع بخوض معركة الصراع الوجودي العربي – الصهيوني وبالتالي إسناد الشعب العربي الفلسطيني في مواجهة البطولية للكيان الصهيوني. كان ردا حاسما من قبل البرلمان العراقي على القلة الخائنة التي تنادي بالتطبيع والسلام مع سلطات الكيان الصهيوني من قبل العراق ذي التاريخ القومي البطولي الرائع.
في وجه ذلك النبل وتلك الشهامة سمعنا وقرأنا ورأينا شتى أنواع القرارات والممارسات المخولة من قبل البعض تجاه الموضوع الفلسطيني. لقد أقامت بعض سفارات العدو الصهيوني احتفالات بمناسبة مرور سبعين سنة على اغتصابه لفلسطين وتشريده لأهلها من خلال الحملات الممنهجة، من التشريد والترويع والقتل وتدمير المساكن وسجن الألوف بدون محاكمات وترويع الأطفال ومنع رجوع اللاجئين إلى منازلهم وقراهم وأراضي أجدادهم، فإذا بنا نرى ذلك البعض يحتفل بيوم قيام ذلك الكيان جنباً إلى جنب مع سفراء وموظفي ذلك الكيان، رقصاً وابتسامات ومصافحات حميمة وتصريحات حقيرة بالتهنئة. ويتناسى ذلك البعض محنة الشعب العربي الفلسطيني ودموع وغضب الأمة العربية في ذلك اليوم المشؤوم: يوم اغتصاب فلسطين وحقوق شعبها العربي التاريخية وتنفيذ المشروع الاستعماري الغربي لفصل الجناح المشرقي من الوطن العربي عن جناحه المغربي.
تواجهت رقصات وضحكات وابتسامات تلك القلة العربية السفيهة المتعايشة مع جريمة القرن العشرين الصهيونية الكبرى مع تكبيرات وشعارات وأهازيج أعضاء البرلمان العراقي النبيلة الرائعة الرافضة لتلك الجريمة الصهيونية.
وأضاف البعض لذلك المشهد المأساوي قرارات انتهازية مرعبة: اتفاقات تجارة حرة متعاونة فيما بين دولها وما بين الكيان الصهيوني، في خطوة نحو تكامل تجاري واقتصادي وأمني وثقافي وديني في المستقبل المنظور، وفتح أجواء بعضها للطيران المدني (والعسكري!) الصهيوني، كجزء من مقايضات سياحية يقبلها الكيان الصهيوني وتباركها عرافة التدخل والسيطرة على كل مقدرات الأمة العربية: الإمبراطورية الأميركية، وفتح مكاتب تجارية وسياحية صهيونية في بلاد البعض الآخر كمقايضة لوعد أميركي واعد بشأن قضية خلاف بين تلك البلد وبعض جيرانها من "الأشقاء" العرب.
ويشاء القدر أن تتصادف تلك المشاهد التطبيعية المخزية من قبل البعض مع مرور مناسبة حرب السادس من حزيران في عام 1967 الشهيرة، يوم قيام الكيان الصهيوني، باقتراح ودعم ومساعدات أميركية، بشبه تدمير لثلاث قوى عسكرية في ثلاثة بلدان عربية، واحتلال سيناء والجولان وغور الأردن والضفة الغربية.
وبالطبع فإن المطبعين والراقصين والمصافحين لا يهمهم ذلك التاريخ، لأنهم أصلاً لا يأبهون بقراءته وفهم معانيه ودلالاته المستقبلية. إنها فضيلة من فضائل أغلب القيادات العربية الحاكمة، التي لا تعبأ بقراءة التاريخ ولا بالاستفادة من عبره ودروسه، ولا بما يفرضه من التزامات هوياتية وأخوة سياسية ومصالح مشتركة.
لقد مرت فترة كافية منذ دخول العرب في موجة التطبيع الثانية. لقد قيل لنا كتبرير لولوجها بأن الكيان الصهيوني سيخفف من ممارساته اللاإنسانية وجرائمه تجاه الشعب الفلسطيني كرد على مبادرة التطبيع. لكن العكس قد حدث: زيادة في عدد القتلى المغتالين والمساجين الأبرياء والأطفال المشردين والبيوت المهدمة والأشجار المقتلعة والمياه المسروقة وكل خطوات التجويع والمحاصرة، وارتفاع هائل في عدد الصهاينة اليمينيين المتطرفين. فمتى سينفذ صبر المطبعين المخدوعين والمهللين المجانين؟ متى سيعرف المطبعون وأزلامهم أن المسجد الأقصى والكنائس سيغلقون، والمصلون سيمنعون؟
والسؤال: إلى متى ستظل المجتمعات العربية المدنية والشعوب العربية واقفة تتفرج على هذه المشاهد السريالية ولاعبيها المجانين دون أن تحرك ساكناً من خلال الفعل الرجولي البطولي، وليس من خلال الكلام المعاد والآهات البليدة؟ متى ستفرض الإرادة الشعبية الحرة نفسها على كل المتلاعبين وتنبذ قليلي المروءة؟