إسرائيل وحزب الله.. الحرب الخطأ
بشير عبد الفتاح
آخر تحديث:
الإثنين 8 يوليه 2024 - 6:10 م
بتوقيت القاهرة
على طريقة بيت الشعر العربى، الحائر نسبه ما بين المتنبى، وأبى العتاهية، «وكل يدعى وصلا بليلى وليلى لا تقر لهم بذاك»؛ يتبارى الإسرائيليون واللبنانيون، ومن ورائهم المجتمع الدولى قاطبة، فى تأكيد رفضهم توسيع المواجهات بين جيش الاحتلال وحزب الله، مخافة تدحرجها إلى حرب إقليمية، غير معلومة المدى والعواقب.
غير أن تورط الأطراف كافة، بصور شتى ومستويات مختلفة، فى التدابير التصعيدية، يشى بإمكانية وقوع المحظور، ولو بطريق الخطأ. تناغما مع بيت الشعر المنسوب لأبى القيم الجوزية، «كل الحوادث مبدأها من النظر ومعظم النار من مستصغر الشرر»، يرى الفيلسوف الألمانى، جوتفريد لايبنتس، أن الأشياء العظيمة غالبا ما تولد من رحم الأسباب الصغيرة.
ويعتبر الصدفة مساهما أساسيا فى صنع التاريخ، وتغيير مساره؛ مذكرا بأن تاريخ الحروب عالميا قد ارتبط بها ارتباطًا وثيقًا. وعلى ذات الدرب، مضى المفكر الاستراتيجى البروسى، كارل كلاوس فيتز، حينما أكد عدم وجود نشاط إنسانى يرتبط، عضويا وعلى نحو كونى كامل، بالصدفة، كمثل الحرب. أما الفيلسوف الفرنسى، فولتير، فأطلق على الصدفة لقب «صاحبة الجلالة». كيف لا؟! وقد اعتبرها، أنطوان كورنو، وهو أحد مفكرى القرن التاسع عشر، قوة فاعلة لتغيير مجرى التاريخ، صناعته، وتدوينه. وبتعبير، هنرى كيسنجر، «لا يكمن الخطر الأكبر للحرب فى الأفعال المتعمدة للأشخاص الأشرار، ولكن فى انعدام القدرة على إبقاء الأحداث، دوما، تحت السيطرة».
مع تجاوز إسرائيل وحزب الله الخطوط الحمر، وحدود قواعد الاشتباك التقليدية، منذ السابع من أكتوبر الماضى. ما أسفر عن سقوط قرابة خمسمائة لبنانى، بينهم ما يناهز مائة مدنى على الأقل و320 عنصرًا من حزب الله، فيما أعلن الجانب الإسرائيلى مقتل 15 عسكريًا و11 مدنيًا. وبينما يعتبر، حسن نصرالله، الأمر، «أعظم معركة تخوضها الأمة منذ عام 1948، ولها أفق واضح ومشرق، سيغير وجه المنطقة ويصنع مستقبلها»، يزعم وزير الدفاع الإسرائيلى، يوآف جالانت، ورئيس الأركان، هرتسى هاليفى، أن «إسرائيل مجبرة على تغيير الوضع فى المنطقة». لما كانت الحرب لا تنشب دائمًا، وبالضرورة، جراء دوافع منطقية، أو بوازع من مصالح جوهرية، يتبارى حزب الله وإسرائيل، فى إبداء جهوزيتهما للمنازلة الكبرى. فمن جانبه، هدد، حسن نصرالله، أن أية مواجهة إسرائيلية على لبنان ستتحول إلى حرب مفتوحة.
وفيما يشبه الحرب النفسية، التى تستهدف إرهاب اللبنانيين، وتطمين سكان الشمال الإسرائيلى، أعلن وزير الخارجية الإسرائيلى، يسرائيل كاتس، أن بلاده، التى تلاحفها الهزيمة الأبدية فى ميدان الشرعية الدولية، ستتمسك بالحسم العسكرى، وستتخذ القرار بتغيير القواعد ضد حزب الله ولبنان. فعبر حرب شاملة، سيتم تدمير الأول، وإعادة الثانى إلى العصر الحجرى. كذلك، صادق قائد المنطقة الشمالية بجيش الاحتلال، ورئيس هيئة العمليات على تقييم للوضع، وخطط عملياتية للهجوم، وتم اتخاذ قرارات بخصوص مواصلة تسريع استعدادات القوات فى الميدان.
وفيما جرى تجهيز لواء «الجبال ــ 810» للقتال على جبهتى لبنان وسوريا، أعلن جيش الاحتلال، أن قيادته تنتظر قرار القيادة السياسية. وتزامنا مع إعلان وصول حاملة الطائرات الأمريكية «أيزنهاور» إلى البحر المتوسط، توالت التسريبات بإخفاق محاولات موفد الرئيس الأمريكى، آموس هوكشتاين، إلى الشرق الأوسط، لإقرار حل دبلوماسى.
قد تحدث الحرب بطريق الخطأ، اضطراب الإدراك، سوء التقدير، أو التداعيات غير المقصودة للأحداث. وبينما يكون ذلك الخطأ بشريا أو إلكترونيا، أو حتى بالذكاء الاصطناعى، قد يتأتى سوء التقدير، والتداعيات غير المتعمدة، من التباس الموقف، انعدام الثقة، أو انشقاق قادة ميدانيين. وفى الوضع الراهن بين حزب الله وإسرائيل، تلوح نذر الحرب غير المتماثلة بين جيش نظامى، لا يخلو من تضارب فى الرؤى الاستراتيجية والتكتيكية بين قياداته، كما يعانى خلافات بين المستويين السياسى والعسكرى، من جهة.
وبين جماعة مسلحة دون مستوى الجيش النظامى، ولا تتمتع بالشخصية الاعتبارية الدولية، بل إنها مصنفة إرهابية من قبل أمريكا والاتحاد الأوروبى وبعد الدول العربية، على الجهة الأخرى. الأمر، الذى يعزز فرص حدوث الخطأ، سوء الإدراك والتقدير، أو التداعيات غير المتعمدة، والتصرف المنفرد جراء الانشقاقات. لاسيما وأن الطرفين يفتقران إلى التدابير والضمانات الأمنية، التى ابتكرتها وطورتها، واشنطن، موسكو وبكين، لمنع تحول المنافسات بينهما إلى مواجهات مسلحة مباشرة. لا يخلو تاريخ المواجهات المتكررة بين إسرائيل وحزب الله، من صدامات بطريق الخطأ.
ففى شهادته أمام لجنة التحقيق المعنية بالحرب الإسرائيلية على لبنان عام 2006، قال، شيمون بيريس، نائب رئيس الوزراء الإسرائيلى، حينئذ: «لو كان الأمر متعلقا بى ما كنت لأدخل هذه الحرب لأن الجيش لم يكن جاهزا لها».
أما، حسن نصر الله، فأعلن أنه لو كان يعلم رد الفعل الإسرائيلى، ما أقدم على تنفيذ عملية «الوعد الصادق»، التى أسر حزب الله خلالها جنديين إسرائيليين. واليوم، يؤكد المحلل العسكرى بصحيفة «هاآرتس»، عاموس هارئيل، أن الخطر الرئيس مع لبنان الآن، يتلخص فى سيناريو سوء التقدير، جراء القتل الجماعى للجنود، المدنيين أو القيادات، على يد هذا الطرف أو ذاك. أو خوف أحد الجانبين من ضربة مفاجئة من الآخر، ما قد يدفعه إلى شن هجوم استباقى. يعزز عجز المجتمع الدولى عن لجم التصعيد بين إسرائيل وحزب الله، بل والإصرار على دعم الصلف الإسرائيلى، من احتمالات الصدام بينهما وإشعال حرب إقليمية.
فبينما أكدت إدارة بايدن، عدم نيتها منع إسرائيل من شن هجوم على لبنان، بل ودعمها حالة اندلاع الحرب، ادعت صحيفة «تليجراف» البريطانية، أن حزب الله يخزن كميات ضخمة من الأسلحة والصواريخ والمتفجرات الإيرانية فى مطار، رفيق الحريرى، المدنى. ما يثير المخاوف من أن يصبح المطار، الذى يبعد أربعة أميال عن وسط العاصمة اللبنانية، هدفًا عسكريًا. ولعل هذا ما دفع الرئيس التركى إلى اتهام الدول الغربية بدعم المخططات الإسرائيلية لتوسيع نطاق الحرب فى الإقليم.
يتعاظم عامل المخاطرة فى تطبيقات الذكاء الاصطناعى التفاعلية، خصوصا فى مجالات شديدة الحساسية، كالعمليات الحربية ومستويات اتخاذ القرار أثناء إدارة الأزمات. فحينما وضعت هذه التطبيقات موضع الاختبار العملى، ضمن سياق محاكاة لأزمة افتراضية متصاعدة بين الولايات المتحدة والصين، تبين أنها تفضل التصعيد، وإن وصل حد النزاع المسلح. كما تميل إلى تبنى مختلف صور سباق التسلح، وإن بلغ مستوى تطوير واستخدام أسلحة الدمار الشامل، ومنظومات إيصالها. ورغم ذلك، يتسع تدريجيا نطاق استخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعى التفاعلية داخل شتى القطاعات العسكرية الأمريكية. حتى إن القوات البحرية العاملة قبالة اليمن، لم تتورع عن استخدامها ضد معاقل الحوثيين. أماط العدوان الإسرائيلى الحالى على غزة، اللثام عن فضيحة استخدام جيش الاحتلال، نظاما للذكاء الاصطناعى، يبتغى قتل كل فلسطينى يتحرك على الأرض بالشبهة.
فلقد حدد جيش الاحتلال عشرات الآلاف من سكان غزة باعتبارهم «أهدافًا مشتبه بهم من أجل اغتيالهم، باستخدام نظام يُعرف باسم «لافندر»، يعمل ذاتيا بتقنية الذكاء الاصطناعى، دونما اكتراث بأعداد الضحايا المدنيين. فمن خلال نظام مراقبة جماعى، يقوم بتحليل المعلومات، التى يتم جمعها عن معظم قاطنى القطاع، من خلال كاميرا فائقة الدقة، مثبتة على طائرة مراقبة مسيرة، تغذى حاسوبا فى غرفة للتحكم، يقوَم الأمر آليا، وفقا للمعطيات المزود بها، ثم يحاول اكتشاف احتمالية انتماء أى منهم لفصائل المقاومة الفلسطينية المسلحة، قبل إعطاء الأمر بإطلاق النار. وبينما أسفر استخدام ذلك النظام عن مقتل أربعين ألف مدنى فلسطينى، وتشريد مئات آلاف آخرين؛ فإنه يغذى احتمالات اشتعال جبهة جنوب لبنان، ويهدد باندلاع حرب إقليمية.