الجرى فى التراك الخطأ

عماد الغزالي
عماد الغزالي

آخر تحديث: الإثنين 8 أغسطس 2011 - 8:30 ص بتوقيت القاهرة

 وضعت محاكمة مبارك نهاية لدولة المافيا، وأعلنت بداية دولة القانون لأول مرة فى تاريخ المحروسة، فمنذ قيام ثورة يوليو 1952، ونحن نعيش تحت مظلة شرعية ثورية، قايضت الخبز بالحرية، وأرست دعائم نظام قمعى مستبد، غيّر آلياته وفقا لمقتضى الحال، حتى وصلنا إلى دولة المافيا بالزواج الحرام بين المال والسلطة.

وباستثناء جماعة «بنحبك ياريس»، فإن كل المصريين يتمنون توقيع أقصى عقوبة على مبارك ورجالات عصره، ليس فقط لأنهم نهبوا ثرواتنا وزوروا انتخاباتنا وسلبوا إرادتنا، وإنما أيضا لأنهم خرّبوا أخلاقنا وأفسدوا أذواقنا وعبثوا بقيمنا، فأشاعوا الرشوة والأنانية والنفاق والكذب، وأهدروا ما كنّا نظنه مكونات أصيلة للشخصية المصرية، وهى جرائم إصلاحها أصعب بكثير من إصلاح السياسة والاقتصاد.

وبرأيى، فإن الأهم من مشهد «الرئيس فى القفص»، هو أن تمضى المحاكمة فى مسارها الطبيعى، وأن تتوقف التعليقات التى يتحفنا بها ضيوف برامج «التوك شو» الكرام، وأن نقتصد قليلا فى استنزاف مشاعر أهالى الشهداء، فنكرر عقب كل محاكمة أنهم لن يرضوا بغير الإعدام بديلا، فهذه محاكمات جنائية لا سياسية، والقاضى يحكم بالأدلة والبراهين لا بالعواطف، وهو ما يعنى ضرورة أن ينشط المدعون بالحق المدنى ومحامو الشهداء والمصابين فى هذا الاتجاه، فالقصاص العادل لن يتحقق بالحديث فى الفضائيات، والزعيق والسباب واستعراض المهارات اللفظية فى المداخلات التليفزيونية، هذا سباق فى «التراك» الخطأ.

حالة المحاكمة ليست فريدة فى هذا الاتجاه، فالمتنافسون على الحكومة والبرلمان يجرون أيضا فى «التراك» الخطأ، وأكثرهم مازال بعد فى ميدان التحرير لم يغادره، برغم أن الانتخابات البرلمانية ــ ميدان التنافس الحقيقى بين اللاعبين فى ساحة السياسة ــ لم يتبق عليها سوى ثلاثة أشهر، وهى التى ستحدد شكل الحكم والحكومة فى السنوات الخمس المقبلة.

ولعلك ترى أنه منذ مليونية «الإرادة الشعبية»، فإن المعتصمين بالميدان يجاهدون للعودة إليه بعد أن اضطروا لمغادرته، ليس تأكيدا للدولة المدنية كما يدعون، وإنما لاستعادة مساحة لا يجيدون الفعل خارجها، وليتهم يدركون أن الناس الذين آزروهم وناصروهم حين اعتصموا به، يكرهون الآن وجودهم فيه، لأسباب يعرفونها هم قبل غيرهم، وأنهم لم يعودوا يطيقون رؤيته وقد أغلقت مداخله، وأحيطت بالأسلاك الشائكة، واحتله الباعة الجائلون والبلطجية والفوضويون وفلول النظام السابق، المتمسحون بالثورة وأهدافها وهى منهم براء.

ليتهم يدركون، أن شرعية القانون هى وسيلتنا لبناء مصر الجديدة، لا شرعية الحشد، وأن التظاهر للأبد والاعتصام دون مقتضى، عجز عن الحركة فى الميدان الصحيح.

محاكمة مبارك وضعتنا جميعا على مضمار الجرى الصحيح، وأكدت وحدة أهدافنا برغم تعدد طرق الوصول إليها، وأجهضت المحاولات الخسيسة للإيقاع بين الشعب والجيش، واستعادت شعار الثورة الناصع «الجيش والشعب إيد واحدة».

غير أننى أحذر من أن الفلول لن تهدأ، وأنها ستواصل مكائدها، ليس فقط بين الشعب والجيش، وإنما أيضا بين فئات الشعب ومكوناته المختلفة: ليبراليون ضد إسلاميين، ومسلمون ضد أقباط، وأغنياء ضد فقراء، وصوفيون ضد سلفيين، وإخوان ضد أحزاب، وغيرها من الحرائق الكبيرة والصغيرة.

الفلول تحارب معركتها الأخيرة، ولن تتردد فى استخدام كافة أسلحتها القذرة، كى نصدق ما كان يقوله المخلوع: «أنا أو الفوضى»، فماذا نحن فاعلون؟

الأمر بسيط: بدلا من محاولات التخوين والإقصاء والتجريس، تعالوا نتسابق فى خدمة وطن، لا فضل لأحد فيه على آخر إلا بالعمل لرفعته وصالح أبنائه.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved