جاليات المهاجرين في فرنسا تتحدّى الصور النمطية
العالم يفكر
آخر تحديث:
الخميس 8 أغسطس 2024 - 8:55 م
بتوقيت القاهرة
فى شهر يونيو الماضى، دعا الرئيس إيمانويل ماكرون إلى إجراء انتخابات برلمانية مبكرة عقب هزيمة التكتّل النيابى لحزب النهضة الذى يتزعّمه فى انتخابات البرلمان الأوروبى، الأمر الذى ولّد موجة من التكهّنات حول مصير الديمقراطية فى فرنسا، واستراتيجية ماكرون، وتداعيات التحالفات المتبدّلة من يسار الطيف السياسى ويمينه على الجمعية الوطنية. كذلك أثارت هذه الخطوة تساؤلات حول دور الهجرة، ولا سيما هجرة من يدينون بالإسلام، فى التأثير على قرارات الناخبين والناخبات.
كما كان متوقّعًا، حقّق حزب التجمّع الوطنى اليمينى المتطرّف بزعامة مارين لوبان نسبةً غير مسبوقة فى الانتخابات الأوروبية بلغت 31 فى المائة. وعلى الرغم من تراجع الحزب لاحقًا فى الانتخابات البرلمانية الفرنسية، أصبح يترأّس ثالث أكبر تكتّل فى البرلمان الأوروبى، تحت اسم «وطنيون من أجل أوروبا»، الذى شكّله رئيس الوزراء المجرى فيكتور أوربان. طوال هذه الأحداث، وتحضيرًا للانتخابات الرئاسية المُرتقَبة فى العام 2027، استغلّ الحزب باستمرار مسألة الهجرة ليشقّ طريقه فى الحياة السياسية. وقد أحدثت جهوده «لوقف تدفّق المهاجرين» ارتدادات فى المجتمع الفرنسى وخارجه، ما أثّر على الأشخاص المهاجرين، وهم فى معظمهم من البلدان المسلمة والإفريقية، وعلى المتحدّرين منهم.
الواقع أن تطبيع الخطاب المناهض للمهاجرين والمهاجرات فى فرنسا ليس بالأمر الجديد، وبالتأكيد لم يبدأ مع الانتخابات الأوروبية الأخيرة. واقع الحال أن الخطاب الإقصائى تطوّر فى أشكال وسياقات مختلفة، إذ تجلّى خلال ثمانينيات القرن الماضى فى النقاش الذى تمحور حول منح الجنسية الفرنسية للمهاجرين والمهاجرات الذين استقرّوا فى فرنسا فى فترة ما بعد الاستعمار، ولأولادهم المولودين فى البلاد. وفى تسعينيات القرن العشرين والعقد الأول من القرن الحادى والعشرين، ركّز هذا الخطاب على المشاكل الاجتماعية فى الضواحى، وارتباط هذه المشاكل بالإسلام، ثم أصبح منذ العام 2015 وصاعدًا يتناول طالبى اللجوء واللاجئين الوافدين إلى أوروبا.
احتلّت مسألة الهجرة بؤرة الاهتمام فى الفترة التى سبقت الانتخابات الرئاسية فى العام 2012، خصوصا بعد أن هدفت «مذكّرة غيان»، الصادرة فى مايو 2011، إلى تقييد حقّ الطلاب المتحدّرين من خارج الاتحاد الأوروبى فى العمل والبقاء فى فرنسا بعد إنهاء دراستهم، ما أدّى إلى خفض عددهم من 200 ألف إلى 180 ألف طالب وطالبة فى السنة. وعلى الرغم من إلغاء المذكّرة والقوانين المشابهة لها فى مايو 2012 فى عهد الرئيس فرانسوا أولاند، استمرّ الخطاب المعادى للهجرة فى احتلال مكانة بارزة فى الخطاب العام الفرنسى ووسائل الإعلام.
• • •
أشارت دراسة أجرتها شركة إبسوس فى مايو من العام الحالى، قُبيل انتخابات البرلمان الأوروبى، إلى أن الهجرة كانت ثانى العوامل الرئيسة المؤثّرة فى قرارات الناخبين والناخبات. وقد طرح الاستطلاع السؤال التالى: «من بين الخيارات الخمسة عشر أدناه، ما المسائل الثلاث التى ستأخذها فى الاعتبار أكثر من غيرها عند التصويت فى الانتخابات الأوروبية؟» اختار 33 فى المائة من الأشخاص المُستطلَعين مسألة الهجرة بعد القدرة الشرائية، التى اختارها 45 فى المائة منهم، فيما شكّلت الهجرة الشاغل الأساسى للناخبين والناخبات الذين صوّتوا لليمين المتطرّف، ولحزب الجمهوريين المحافظ ذى التوجّه الديجولى. والواقع أن نجاح اليمين المتطرّف فى استغلال مسألة الهجرة يعود إلى قدرته على دمج المخاوف بشأن الهجرة مع مشاكل أخرى، بما فيها غياب الفرص الاقتصادية، والافتقار إلى الخدمات العامة، والهواجس الأمنية، وما إلى ذلك.
تضمّ فرنسا نحو 7 ملايين مهاجر ومهاجِرة، أو ما نسبته 10.3 فى المائة من إجمالى السكان. كشفت دراسة صادرة عن المعهد الوطنى للإحصاء والدراسات الاقتصادية الفرنسى فى العام 2023 بعنوان «المشاعر تجاه المهاجرين والانتماء» عن أن 44 فى المائة من المهاجرين والمهاجرات يعتبرون أن ظروفهم فى فرنسا أفضل ممّا كانت عليه فى وطنهم الأم، فيما عبّرت نسبة وازنة بلغت 29 فى المائة، عن شعور معاكس. وبحسب التقرير، يحقّق الأشخاص المتحدّرون من المهاجرين أداءً جيّدًا مقارنةً مع المتوسط الوطنى على مستويات عدّة، مثل التعليم، والوضع الاجتماعى، والتقدّم المهنى.
وحول مسألة الانتماء، سُئل المُستطلَعون إن كانوا «يشعرون بأنهم فى وطنهم» فى فرنسا، وأجابت الغالبية أيضا بأنها تشعر كذلك، إذ ردّ بالإيجاب 76 فى المائة من المتحدّرين من المهاجرين، و63 فى المائة من المهاجرين. وعند سؤال الأشخاص المتحدّرين من المهاجرين إن كان الآخرون «ينظرون إليهم كفرنسيين»، أجاب 20 فى المائة منهم بالنفى، على الرغم من أنهم ولدوا فى فرنسا ويحملون الجنسية الفرنسية. الجدير بالذكر أن هذه النسبة تتحدّر معظمها من إفريقيا أو شمال إفريقيا.
• • •
على الرغم من أن هذه النتائج تتحدّى الصورَ النمطية السلبية عن الأشخاص المهاجرين بأنهم غير قادرين على الاندماج، والتى يسوقها فى الكثير من الأحيان ساسة اليمينى المتطرّف وأنصارهم، إلا أنهم لا يزالون يتعرّضون إلى التمييز العنصرى والأعمال العدائية على الرغم من ارتقائهم فى المكانة الاجتماعية. لكن النجاح الاقتصادى لا يترافق دائمًا مع الاندماج الاجتماعى. فقد كشفت دراسة مقارنة أخرى صادرة عن المعهد الوطنى للدراسات الديموغرافية والمعهد الوطنى للإحصاء والدراسات الاقتصادية بعنوان «مسارات وأصول» فى العام 2016 عن استنتاجات مماثلة أيضًا.
إذا، لا تُعزى المخاوف بشأن خطاب اليمين المتطرّف وتداعياته المحتملة فى الفترة التى تفصلنا عن انتخابات العام 2027 إلى موقفه تجاه الهجرة فحسب، بل أيضا إلى ممارسات مثل التمييز فى أماكن العمل بحق أشخاص يحملون أسماء توحى بأنها من بلدان المغرب العربى، ما يزيد احتمالات تعرّضهم إلى البطالة لفترات مطوَّلة وإلى المشقّات الاقتصادية. وفى العام 2021، أشار معهد السياسات العامة الفرنسى إلى أن حظوظ توظيف أشخاص من أصول مغاربية، أو يُعتقد أنهم كذلك، هى أقل بنسبة 31.5 فى المائة من غيرهم.
قد يقوّض التنميط العنصرى والإثنى خارج أماكن العمل أيضا الشعور بالانتماء. فهذه مشكلة راسخة منذ فترة طويلة فى فرنسا، إذ تُعدّ احتمالات توقيف الشرطة لشبابٍ سود أو عرب أعلى بعشرين مرة من غيرهم. وفى العام 2024، سعت خمس منظمات فرنسية ودولية إلى معالجة مشكلة التنميط العنصرى، وقدّمت شكوى إلى لجنة الأمم المتحدة المعنية بالقضاء على التمييز العنصرى.
• • •
لا شكّ أن الانتخابات الفرنسية الأخيرة تعبّر عن انقسام المشهد السياسى المحلّى. ونظرًا إلى فوز جناح اليمين المتطرّف فى الانتخابات الأوروبية، من غير المفاجئ أن تكون الهجرة من بين الشواغل الأساسية على الساحة الوطنية. لكن يجدر التنبّه إلى ارتباطها بقضايا أخرى، مثل الشعور بالانتماء إلى فرنسا، والعدالة، وواقع التمييز القائم. وعلى الرغم من النجاح فى تحسين بعض الأوضاع، ثمة تحديات ما زالت تهدّد الوحدة الوطنية.
ياسمين زغلول
مدونة ديوان التابعة لمركز كارنيجى
النص الأصلي