يا للإنسان.. ما إن يبنى حتى يدمر!
علي محمد فخرو
آخر تحديث:
الخميس 8 سبتمبر 2016 - 9:30 م
بتوقيت القاهرة
موضوع «الإنترنت» أصبح موضوعا مطروحا بقوة فى الكثير من بلدان العالم، وعلى الأخص فى بلدان منشئه العلمى والتكنولوجى. من أهم الجوانب التى تشغل بال الكثيرين موضوع تركُز الهيمنة على شبكاته ومعلوماته واستعمالاته فى يد أقلية من الشركات والأفراد مما مكَّن تلك الأقلية من جنى ثروات هائلة زادتها قوة ومكانة فى حياة كل العالم.
من هنا يطلق البعض على تلك الظاهرة «رأسمالية الإنترنت» لتضاف إلى قائمة طويلة من أنواع الرأسماليات التى تنتمى جميعها إلى أم واحدة: الرأسمالية العولمية المتوحشة. هناك رأسمالية الكوارث، ورأسمالية جيوش المرتزقة، ورأسمالية الإعلام... إلخ والحبل على الجرار.
***
الجانب الآخر الذى يشغل بال الكثير من الجهات هو موضوع التنامى فى جمع أكبر وأشمل المعلومات عن الأفراد المستعملين لشبكات الإنترنت، بما فيها أدق التفاصيل الشخصية، لبيعها بأثمان باهظة للمؤسسات التجارية الكبرى أو جعلها متاحة لسلطات وشبكات الأمن والتجسس والحكومات: والمقلق هو أن الشركات التى تقوم بذلك الجمع للمعلومات تقوم بالجمع دون أخذ موافقة الأفراد أو رضاهم، الأمر الذى يعرِّض البعض للابتزاز أو التشهير أو كشف الأسرار الخاصة.
فإذا أضيف إلى ذلك أن بعض الاستعمالات الخاطئة للإنترنت قد ساهمت فى خلق النزاعات العرقية والدينية والثقافية، وفى زيادة البطالة فى بعض الأماكن، وفى ازدياد الهوة بين الغنى الفاحش السريع والفقر المدقع، وفى تنامى ظهور قوى العنف والإرهاب المجنون، وفى خلق اقتصاد استهلاكى عبثى لا يقف عند حدود. إذا أضفنا كل ذلك ندرك أسباب القلق الذى يرفعه بقوة بعض الكتاب والمفكرين والسياسيين فى الآونة الأخيرة.
***
لنذكُر فقط بوصف الرئيس الأمريكى لشبكات الإنترنت بأن جموحها وعنفوانها يماثل الجموح الذى أصاب الغرب الأمريكى فى الماضى بحثا عن الثروة والمعارك العبثية والاعتداء على الأبرياء، أو بالاهتمام المتنامى فى البرلمان الأوروبى لوضع ضوابط حقوقية واقتصادية لضبط جنوح وسلبيات حقل الإنترنت وطمع وسرقات وتلاعب مالكى شبكاته، وعلى الأخص الأمريكيين منهم.
لنعد إلى أرض واقعنا العربى ونسأل: هل أن المجتمعات العربية تواجه نفس الظواهر بالنسبة لحقل الإنترنت وشبكاته وبعض استعمالاته السلبية المضرة؟ الجواب المؤكد هو نعم. بل هناك ظواهر سلبية أخرى خاصة بنا تتعلق بمقدار الحرية المتوافرة، وشدة القمع الأمنى لبعض مستعملى الشبكات من الناشطين السياسيين، والهرج والمرج الطائفى الحقير أو الثقافى المتخلف، والهوس بالانغماس المريض فى عالم الإنترنت على حساب الكثير من جوانب الحياة الهامة المتعلقة بالأفراد، وبالمجتمعات أيضا.
***
فى بلدان الغرب يجرى حراك كبير متعاظم للإصلاح وضبط حقل الإنترنت من قبل الحكومات والبرلمانات ومؤسسات المجتمع المدنى. يجرى الحراك أساسا لمنع احتكار ذلك الحقل الذى يمس حياة البلايين من البشر، منع احتكاره من قبل مجموعة صغيرة مغامرة متحكمة من الشركات والأفراد، ولمنع أيضا أن يصبح هذا الحقل مجالا لتعاظم الثروات، وبالتالى النفوذ والتحكم فى المعرفة والمعلومات، فى أياد قليلة. هناك الآن حديث عن حقوق الإنسان الإنترنتية، عن حماية سمعة الإنسان، عن معاقبة من يسيئون استعمال حرية هذا الحقل واتساع انتشاره.
موضوع التأثيرات السلبية للإنترنت على المجتمعات العربية يحتاج إلى أن يدرس من قبل مراكز البحوث المختلفة. وحتى ذلك الحين لا يحتاج الإنسان إلا لأن يراجع السفه والبلاءات والصراعات الطائفية والقبلية التى يتداولها الناس عبر مختلف شبكات التواصل العربية حتى يدرك بأن العرب يحتاجون لجهات تدخُل لإصلاح مسار هذا الحقل.
مرةً أخرى لا يمكن إصلاح مشاكل هذا الحقل إلا من خلال قوى السياسة ومؤسساتها، الحكومات والبرلمانات والقضاء من جهة ومؤسسات المجتمع المدنى من جهة أخرى. فإذا كانت السياسة فاسدة أو عاجزة فان الإصلاح سيكون متعثرا.
ستكون مأساة للعرب وللعالم لو أن حقلا كان يحمل أعظم الآمال لتحسين حياة البشر السياسية والاقتصادية والثقافية سُمح له أن يقع فى أيادى قلة من الطامعين والفاسدين، مثل بعض شركات الشبكات أو بعض الأفراد المهيمنين على استعمالات الشبكات أو بعض أجهزة الأمن والاستخبارات التجسسية والباطشة والمعادية للحريات.
ياللإنسان.. كم يبنى وكم يدمر!
مفكر عربى من البحرين