تحكيم القيم فى الحياة العامة
علي محمد فخرو
آخر تحديث:
الأربعاء 8 سبتمبر 2021 - 7:55 م
بتوقيت القاهرة
لم يكن الحديث عن أزمة القيم على مستوى العالم وعلى مستوى الوطن العربى، وعن الخلفية التاريخية والإسلامية للكثير من القيم العربية السائدة، الصالح منها والطالح، مقصودا منه أن يكون مراجعة أكاديمية. لقد كان الهدف هو تعميق الوعى السياسى لدى أوساط الشباب والشابات العرب من خلال التأكيد على أن الممارسة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعلمية التى لا تحكمها موازين القيم الإنسانية الكبرى والقيم الدينية الروحية قابلة للشطط وللاستعمال الانتهازى، بل ولتدمير بيئة الإنسان الطبيعية والحضارية، كما نراها الآن ماثلة أمامنا.
ذلك أن المكيافيلية فى السياسة، التى رفعت شعار الغاية التى تبرر كل واسطة، وتبعتها الليبرالية الكلاسيكية التى طرحت ما اعتبرته إشكالية التعارض فيما بين حرية الفرد وما بين التزاماته القيمية، وتبعتها مؤخرا النيوليبرالية العولمية التى أعطت الأولوية لمتطلبات السوق فوق كل اعتبار آخر، بما فيها أهمية تحكيم قيمة العدالة، وهى كبرى الفضائل التى عرفتها البشرية، وتتبعها الآن بخطى حثيثة حركة ما بعد الحداثة التى انخرطت فى عبادة صنم جديد، صنم الفردية الأنانية والحرية المطلقة.. ذلك أن كل ذلك، مشفوعا بما أوردناه فى مقال الأسبوع الماضى من أطروحات تشويه وتدمير الكثير من قيم الثوابت العربية فى مجالات الفكر القومى العروبى الوحدوى، كل ذلك يعمل ليل نهار على توجيه الوسط الشبابى العربى إلى مزالق خطرة فى ساحات نضالهم التغييرى اليومى.
نحن إذن نريد تذكير الكل بأنه مثلما هناك مدارس تهميشية لمكانة القيم فى حياة الإنسان، وعلى الأخص فى حياته السياسية والاقتصادية، فإن هناك أيضا مدارس أخرى وأصواتا ضميرية كثيرة تنادى بعكس ذلك. دعنا نأخذ مثالا واحدا من الساحة السياسية الأمريكية. فعندما سئل الرئيس كينيدى، وهو الكاثوليكى الديانة، إن كان ستكون لعقيدته الدينية أية تأثيرات على القرارات العامة التى سيأخذها، أجاب بالنفى التام وأنه سيحتكم فقط إلى ضميره الإنسانى. ولكن عندما طرح السؤال نفسه على الرئيس أوباما كان جوابه مختلفا، إذ أكد أن السياسة التى لا تتأثر بالقيم الدينية هى سياسة قابلة للتشوه. جوابان مختلفان فى ساحة سياسية واحدة.
وإذن فالقيم لا تطلب لذاتها وفقط على المستوى الفردى. إنها تطلب أيضا على المستوى الجمعى لارتباطها الشديد بنوعية ونقاء الحياة الجمعية فى كل الحقول.
وبالطبع هناك قيم متميزة مفصلية تعلوا على كل القيم من مثل العدالة. ذلك أنها وقيمة الحرية والكرامة الإنسانية شغلت بصورة كبيرة وعميقة كل الديانات والمدارس الفلسفية والفكر السياسى والاقتصادى. وكان ذلك الاهتمام طبيعيا لحسم موضوع ادعاء البعض بأن العدالة لا تتعايش مع الحرية. فإذا حسم موضوع تعريف معنى الحياة الطيبة فإنه سيظهر أن لا تعارض بين القيمتين، وإنما سيثبت بأن قيمة العدالة يجب أن تحكم كل قيمة أخرى: قيم من مثل الحرية والديمقراطية والمساواة والتعايش السلمى والتسامج والعطاء، وغيرها كثير.
إذ يطرح شابات وشباب الأمة شعاراتهم السياسية والاجتماعية والمعيشية عليهم أن لا ينسو قط القيم الكبرى التى يجب أن تحكم كل تلك الشعارات والمطالب وأساليب تفعيلها، وعلى الأخص رأس الفضائل: فضيلة العدالة.
مفكر عربى من البحرين