سميح أنور والعطاء الوطنى لخريجى الإبراهيمية الثانوية
وليد محمود عبد الناصر
آخر تحديث:
الثلاثاء 27 ديسمبر 2016 - 5:25 م
بتوقيت القاهرة
رحل عن عالمنا منذ أيام قليلة واحد من أبرز وأقدر وأمهر السفراء والدبلوماسيين المصريين فى التاريخ الحديث والمعاصر للدبلوماسية المصرية، ومن أكثرهم وطنية وأخلاقا وإنسانية، وهو السفير محمد سميح أنور، والذى شغل منصب وزير الدولة للشئون الخارجية لفترة خلال السنوات الأولى لحكم الرئيس الراحل محمد أنور السادات فى بدايات عقد السبعينيات من القرن العشرين.
وقد أتيحت لى فرصة التعرف على عطاء الراحل الكريم الوطنى منذ سن مبكر فى حياتى من منظور صلة صداقة بين والدى وبينه رحمهما الله، ثم سعدت بزمالة نجله طارق خلال سنوات الدراسة الجامعية، وتعرفت على عطاء الوزير والسفير الراحل للدبلوماسية المصرية لاحقا، وأنا فى سن الشباب من منظور مهنى.
وكان الوزير الراحل أحد خريجى المدرسة الإبراهيمية الثانوية الكثيرين الذين تركوا بصمة لا تنسى فى تاريخ مصر الحديث والمعاصر فى مختلف المجالات التى تصب فى نهاية الأمر فى خانة ما يطلق عليه بشكل عام تعبير «العمل الوطنى العام» بمعناه الشامل، وذلك حسبما درسنا ونحن شباب هذا التعبير فى العلوم السياسية. ولمن لا يعلم، كانت الإبراهيمية الثانوية إحدى أهم المدارس الثانوية فى مصر فى فترة ما قبل 23 يوليو 1952 بشكل خاص، ليس فقط لتميزها فى نتائجها الدراسية، بل ربما هذا هو الأهم، لتميز خريجيها فى مجالات متنوعة من ميادين «العمل الوطنى العام».
وكان الوزير الراحل سميح أنور، وهو نجل فؤاد باشا أنور، أحد خريجى الإبراهيمية الثانوية، وعرف عنه منذ سن مبكر حسه الوطنى، وجديته والتزامه فى دراسته وعمله، وأخلاقه الراقية، وطبيعته المنفتحة اجتماعيا وإنسانيا على كل من عرفه أو اقترب منه طوال حياته، وكذلك وفائه الشديد والمتواصل لزملائه وأصدقائه.
وعندما عمل السفير الراحل سميح أنور وزيرا للدولة للشئون الخارجية خلال فترة الولاية الرئاسية الأولى للرئيس الراحل محمد أنور السادات، كان ذلك خلال مرحلة حرجة للغاية وشديدة الحساسية من تاريخ مصر المعاصر، وهى مرحلة شهدت تفاعلات كثيرة اتسمت بدرجة متقدمة من التعقيد، كما عكست رغبة مصرية فى تحقيق اختراقات على أكثر من جبهة من جبهات العمل الخارجى، ولكنها كانت أيضا فترة شهدت ضغوطا وتحديات واجهتها مصر بشكل عام، والدبلوماسية المصرية على وجه الخصوص، وعبر أداء الوزير الراحل خلال توليه ذلك المنصب عن وطنية واقتدار وحرفية مهنية مرتفعة ومتميزة للغاية.
كذلك تميز الراحل الكريم عندما تولى منصب سفير مصر لدى المملكة المتحدة، نظرا للطابع الخاص تقليديا لهذا المنصب ولمجمل العلاقات الدبلوماسية المصرية البريطانية، فى ضوء حقيقة أنه لمدة 74 عاما كانت المملكة المتحدة هى دولة الاحتلال لمصر، ولكن إدارة السفير سميح أنور لتلك العلاقة خلال توليه منصب السفير فى لندن أدخل الكثير من الإيجابية ودبت الحيوية والنشاط فى العلاقة بين البلدين، وانتعش التبادل بينهما، ليس فقط فى السياق الدبلوماسى التقليدى، بل أيضا فى مجالات التبادل الاقتصادى من تجارة واستثمار، وكذلك التبادل الثقافى والعلمى والشبابى، وغير ذلك من صور وأشكال التعاون.
ونعود، وبهذه المناسبة، إلى عطاء خريجى المدرسة الإبراهيمية الثانوية فى مجالات «العمل الوطنى العام»، فنذكر أن من بينهم كان السيد/خالد محيى الدين، عضو جمعية الخطابة فى المدرسة، أحد الضباط الأحرار ثم عضو مجلس قيادة الثورة بعد 23 يوليو 1952، وكذلك أحد قيادات اليسار المصرى، وخاصة الحركة الشيوعية المصرية، وأحد رموز الصحافة المصرية، أيضا بعد 23 يوليو 1952، حيث رأس تحرير جريدة المساء، وأخيرا رئيس حزب التجمع الوطنى التقدمى الوحدوى منذ نشأته فى سبعينيات القرن العشرين ولسنوات طويلة تالية.
ومن هؤلاء الخريجين أيضا الأستاذ/ياسين سراج الدين، شقيق فؤاد باشا سراج الدين وزير داخلية حكومة الوفد عام 1950 وأحد قيادات الحزب ثم مؤسس وزعيم حزب «الوفد الجديد» فى النصف الثانى من عقد السبعينيات من القرن العشرين، والأستاذ/ ياسين سراج الدين بدوره كان واحدا من أهم قيادات شباب حزب الوفد فى فترة ما قبل 23 يوليو 1952، ثم صار أحد أهم قيادات حزب «الوفد الجديد» بعد عودته إلى المشهد السياسى، حيث احتل لسنوات موقع نائب رئيس الحزب، كما كان عضوا بالبرلمان قبل وبعد ثورة 23 يوليو 1952.
كما كان من بين خريجى الإبراهيمية الثانوية الشقيقان أحمد يوسف الجندى ومحمد يوسف الجندى، نجلا الأستاذ/يوسف الجندى مؤسس ورئيس «جمهورية زفتى» خلال ثورة 1919 الوطنية والشعبية فى مصر، ثم النائب الوفدى فى مجلس النواب بعد دستور 1923. أما الابن الأكبر الأستاذ/أحمد يوسف الجندى فقد صار من أوائل رجال الأعمال المصريين البارزين والمهمين، الذين أسسوا إسما ومكانة ناجحة ومرموقة لهم فى مجتمع الأعمال فى العاصمة البريطانية لندن، ومن موقعه ذلك أسدى الكثير من الخدمات لوطنه مصر، بما فيها التبرع فى فترة صعبة من تاريخ الاقتصاد المصرى ما بين هزيمة الخامس من يونيو 1967 وحرب السادس من أكتوبر 1973. وبالنسبة للابن الأصغر الأستاذ/محمد يوسف الجندى، فقد صار المناضل البارز والقيادى الهام فى إطار الحركة الشيوعية المصرية منذ وقت مبكر، والذى دفع ثمن انتمائه الأيديولوجى والسياسى سنوات من السجن والاعتقال، كما أنه مؤسس وصاحب ومدير إحدى أهم دور النشر اليسارية فى الوطن العربى بأسره، وهى دار الثقافة الجديدة فى مصر.
وكان من ضمن خريجى المدرسة الإبراهيمية الثانوية السيد/محمود عبدالناصر، رئيس جمعية الخطابة بالمدرسة، وأحد قادة حرب التحرير الوطنية ضد الاحتلال البريطانى بمنطقة القناة بعد إلغاء معاهدة 1936 فى أكتوبر 1951، وأحد الضباط الأحرار الذين شاركوا فى ثورة 23 يوليو 1952، ثم أحد الضباط الذين اختيروا لتأسيس المخابرات العامة بقيادة السيد/زكريا محيى الدين، وأحد قادة المقاومة من جديد فى منطقة القناة فى مواجهة العدوان الثلاثى عام 1956، ولذى اختتم حياته العامة أمينا عاما لرئاسة الجمهورية فى السنوات الأخيرة من عهد الرئيس السادات حتى إصابته فى حادث المنصة.
وأخيرا وليس آخرا فى هذا المقال، ومرة أخرى على سبيل المثال لا الحصر، فقد تضمنت قائمة خريجى الإبراهيمية الثانوية، الذين أثروا الحياة العامة فى مصر الكابتن/يحيى الحرية إمام حارس مرمى فريق كرة القدم فى المدرسة الإبراهيمية الثانوية، فى زمن كانت فيه مباريات بطولة المدارس الثانوية محل متابعة واهتمام جماهير ونقاد الكرة، ثم فيما بعد حارس مرمى الفريق الأول لكرة القدم بنادى الزمالك ومنتخب مصر لسنوات طويلة قاد فيها فريقه ومنتخب بلاده إلى بطولات عديدة وألقاب متنوعة.
ونعود إلى الوزير والسفير والإنسان سميح أنور، لندعو له بالرحمة والمغفرة وحسن الثواب ولأسرته وأحبائه وأصدقائه بالصبر والسلوان، وهو الذى أتاحت لنا مناسبة حزينة ومؤلمة، ألا وهى مناسبة فراقه ورحيله عن دنيانا، ألا نكتفى فقط باستحضار مشاهد ولقطات من مآثره، ولكن أيضا باستحضار موجز للغاية لسيرة بعض من زملائه خريجى المدرسة الإبراهيمية الثانوية، الذين أثروا مسيرة مصر الوطنية وحياة مجتمعها فى مجالات متنوعة فى القرن العشرين.