المديونية الأمريكية تهدد بأزمة عالمية

العالم يفكر
العالم يفكر

آخر تحديث: الإثنين 9 يناير 2017 - 10:20 م بتوقيت القاهرة

نشرت مؤسسة الفكر العربى مقالا لـ«عدنان كريمة» ــ الكاتب والمحلل الاقتصادى اللبنانى ــ يتحدث فيه عن المديونية الأمريكية وما تخلفه من آثار على الاقتصاد العالمى. يبدأ الكاتب مقاله بأن الرئيس دونالد ترامب سيرث أعباء اقتصادية ومالية ثقيلة تتجلى بعجز كبير فى موازنة الدولة ومديونية تتجاوز العشرين تريليون دولار، وركود اقتصادى وارتفاع فى معدل البطالة، وتهديد بفقدان الأمريكيين نحو 3,5 مليون وظيفة، الأمر الذى يعرقل إمكانية تحقيق أهدافه فى استعادة النمو الاقتصادى الذى سبق أن بلغ 3,5 فى المئة سنويا خلال النصف الثانى من القرن العشرين، قبل أن يتراجع إلى نحو 2% خلال السنوات الخمس عشرة الماضية.

لا شك فى أن استمرار قوة الدولار كعملة احتياط فى العالم، ومصير أذون الخزانة الأمريكية، التى تعد حتى وقت قريب الملاذ الآمن للاستثمار الأكثر أمانا فى العالم، مرهون بقدرة الولايات المتحدة على حل مشكلة الدين الحكومى بشكل جذرى، وليس بتأجيلها لفترة قصيرة من الزمن، لتعود مجددا، وبشكل كارثى، لتهدد الاقتصاد الأمريكى، ولتشمل بتداعياتها السلبية الاقتصاد العالمى.

ولعل من أهم أسباب تفاقم مشكلة الدين الأمريكى ثلاثة؛ أولا: طبيعة النظام المالى والاقتصادى فى الولايات المتحدة. ثانيا: النفقات الكبيرة على الدفاع والقوات المسلحة المنتشرة فى أصقاع العالم، فضلا عن افتعال حروب عدة فى مناطق مختلفة، مثل الحرب على أفغانستان، واحتلال العراق، والمبالغة فى دعوى الحرب على الإرهاب. ثالثا: ضخ مليارات الدولارات فى بعض المؤسسات المالية الأمريكية لإنقاذها من الإفلاس بعد أزمة الرهن العقارى عام 2008 وتداعياتها على الاقتصاد العالمى.

كما أشار الكاتب إلى أن الدين الأمريكى ارتفع بشكل متسارع حتى قبل الأزمة المالية العالمية عام 2008؛ ففى ولاية الرئيس جورج بوش الابن، زاد حجم الدين من 6 تريليونات دولار عام 2000 إلى 9 تريليونات عام 2007، وفى عهد باراك أوباما بين عامى 2008 و2016، قفز إلى أكثر من 20 تريليون دولار.

وتعد الولايات المتحدة (كدولة واحدة) الأكثر مديونية فى العالم، ويعادل حجم دينها إلى الناتج المحلى الإجمالى نسبة 114%، وهى نسبة مرتفعة، وتحمل سلبيات متعددة ومتنوعة، كونها بعيدة عن نسبة «القاعدة الذهبية» لمعايير الأخطار الدولية وفق «ميثاق ماستريخت»، والمحددة بمعدل 60% فقط للدين المقبول نسبة إلى الناتج المحلى الإجمالى.

تحديات اقتصادية
يشير كريمة إلى وعد دونالد ترامب بتسديد الدين العام بسهولة خلال ثمانية أعوام، مما يعنى تعديلا فى موازنة الدولة لإنفاق نحو 4 تريليونات دولار سنويا، ويزعم ترامب أن بإمكانه تحقيق هدفه عن طريق التفاوض حول الصفقات التجارية، وهو أمر يقول خبراء الاقتصاد إنه قد يحدث نتائج كارثية فى حال حصول حروب تجارية مع الصين والمكسيك، وبما يؤدى إلى ركود اقتصادى وخسائر فى الوظائف، وعجز كبير فى الموازنة نتيجة انهيار عائدات الضرائب، خصوصا أنه يريد خفض معدلاتها للجميع، بما يشير إلى أن خطة ترامب ستزيد أرقام الدين العام، إذا نفذ تعهده بخفْض هذه الضرائب بمقدار 6,2 تريليون دولار على مدى 10 سنوات مقبلة.

الديون والدائنون
يقول الكاتب أن الدين العام الأمريكى ينقسم إلى فئتيْن، هما: الدين الحكومى، ويبلغ نحو 5,5 تريليون دولار، والدين المملوك من العامة، ويبلغ نحو 14,5 تريليون دولار.

وتدين الحكومة الأموال لـ «نفسها» كنوع من الاستثمار، على غرار أموال صندوق الضمان الاجتماعى الذى يستثمر فى سندات الخزانة الأمريكية. أما حكومات الدول الأجنبية، فهى تمتلك نحو نصف الديون المملوكة من العامة، وبالتحديد 6,17 تريليون دولار. ووفق أحدث إحصاءات لوزارة الخزانة فى واشنطن بنهاية (يونيو) الماضى، تعد الصين أكبر حائز أجنبى للمديونية الأمريكية بنحو1,241 تريليون دولار، تليها اليابان بنحو 1,148 تريليون دولار، ثم تأتى دول دائنة للولايات المتحدة بمبالغ ضئيلة، مثل سويسرا، المملكة المتحدة، هونغ كونغ، روسيا، تايوان، الهند، بلجيكا، ودول الخليج العربية.

وتشير أرقام وزارة الخزانة الأميركية بنهاية (مارس) 2016، إلى أن قيمة اكتتاب دول مجلس التعاون الخليجى فى سنداتها بلغت 231,3 مليار دولار موزعة على الشكل التالى: السعودية 116,8 مليار دولار، الإمارات العربية المتحدة 62,5 مليار دولار، الكويت 31,2 مليار دولار، عمان 15,9 مليار دولار، قطر 3,7 مليار دولار، البحرين 1,2 مليار دولار.
كما يضيف كريمة أن الصين التى تحتل المرتبة الأولى، وتمتلك نحو 20 فى المئة من مجموع الديون الخارجية للولايات المتحدة، فتقوم بين وقت وآخر بعرض سندات الخزانة الأميركية للبيع فى إطار المنافسة القائمة بين البلدين على قيادة الاقتصاد العالمى، ويتم ذلك من خلال مصارف خاصة أو عن طريق مديرى الاستثمار فى لندن، خصوصا من أجل دعم احتياطات البنك المركزى الصينى وحماية اليوان، وقد تراجعت حصتها إلى أدنى مستوى لها منذ أكثر من ست سنوات.

أما عن روسيا التى تحتل المرتبة 16 عالميا، فإن حصتها فى السندات الأمريكية لا تخضع وفق حاجتها لدعم احتياطاتها النقدية فقط، بل لتطور علاقاتها مع الولايات المتحدة والتى تتراوح، بحسب الظروف، بين الإيجابية والسلبية. ففى عام 2008 رفعت روسيا حيازتها للسندات الأمريكية من 32,6 مليار دولار إلى 116,4 مليار دولار، وبنهاية عام 2013 ارتفعت إلى 138٫6 مليار دولار، ولكنها تراجعت فى عام 2014 إلى نحو 52,6 مليار دولار، واستمرت بالتراجع فى عام 2015.

أزمة عالمية
ينتقل الكاتب ليتناول المديونية على المستوى العالمى فيشير إلى عدد من التقارير التى حذرت دول العالم من أزمة مالية نتيجة تفاقم حجم المديونية العالمية الذى تجاوز 152 تريليون دولار فى نهاية العام 2015، ويتوقع أن يصل إلى 170 تريليون دولار فى نهاية عام 2016.

إن نسبة المديونية العالمية من الناتج الإجمالى للاقتصاد العالمى بلغت 225 فى المئة فى نهاية العام 2015 وفق تقرير صندوق النقد الدولى، وهى نسبة كبيرة جدا وتقترب بما يساوى نحو أربعة أضعاف نسبة «القاعدة الذهبية» لمعايير الأخطار الدولية وفق «ميثاق ماستريخت».

فعلى الرغم من التحذير المتشدد لصندوق النقد الدولى من حدوث أزمة مالية بسبب تفاقم حجم المديونية العالمية، فإن مديرة الصندوق كريستين لاجارد تحث حكومات الدول القادرة على الاقتراض وإنفاق المزيد، على أن تفعل ذلك لتعزيز النمو الذى يعانى من ضعف مستمر.

خلفت الأزمة المالية العالمية فى عام 2008، تحديات كبيرة ومؤلمة لاقتصادات الدول المتقدمة، ورافقها انخفاض فى أسعار الفائدة المصرفية لـ«صفر»، حتى أنها وصلت بالسالب فى دول أخرى، ولجأت معظم حكومات الدول إلى برامج التيسير الكمى (شراء الأصول) كإجراء سهل لضخ سيولة جديدة فى الأسواق، كذلك ارتفعت الديون السيادية نتيجة ارتفاع العائد على السندات وأذون الخزانة، فضلا عن القروض التى توسعت فيها معظم الدول لجذب سيولة جديدة.

يختتم الكاتب بأن هذه الإغراءات فتحت «شهية» مؤسسات القطاع الخاص على الاقتراض، حتى بلغت حصتها نحو 70 فى المئة من حجم الدين العام، أى ما يعادل أكثر من مئة تريليون دولار، وفق تقرير صندوق النقد الدولى. ولكن الأرقام تختلف عنها فى تقرير لمعهد التمويل الدولى الذى أشار إلى أن الديون العالمية، سواء الاستهلاكية أم الحكومية أم ديون الشركات المالية وغير المالية، زادت أكثر من عشرة تريليونات دولار فى النصف الأول من العام الحالى لتتجاوز 216 تريليون دولار، بما يعادل 327 فى المئة من الناتج الاقتصادى العالمى، أى خمسة أضعاف نسبة «القاعدة الذهبية» لميثاق ماستريخت. ولوحظ أن ديون أسواق الدول المتقدمة تقترب سريعا من نسبة 400 % من الناتج الإجمالى، حيث زاد حجم إصدارات الديون فى قطاعات تلك الأسواق كافة فى النصف الأول من العام الحالى 8 تريليونات دولار إلى أكثر من 163 تريليون دولار مع نهاية (يونيو) 2016.

النص الاصلى: 

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved