حصاد 2020 من العلم والتكنولوجيا... والخرافات
محمد زهران
آخر تحديث:
السبت 9 يناير 2021 - 7:50 م
بتوقيت القاهرة
في نهاية كل عام أو بداية عام جديد عادة ما نجد مقالاً في العديد من المجلات عن التكنولوجيا الجديدة التي ظهرت أو كانت موجودة من قبل لكن ظهرت بصورة أوسع في العام المنصرم أو أهم المكتشفات العلمية الحديثة. عام 2020 مختلف بعض الشيء لأن جائحة فيروس الكورونا وتداعيتها غطت على كل شيء لكننا سنأخذها كنقطة انطلاق في مقالنا هذا لنبحر في رحلة سريعة حول المحطات العلمية والتكنولوجية في عام 2020.
عندما أخذ فيروس كوفيد-19 العالم على حين غرة وأخذ الناس حول العالم يتساقطون إما مرضى أو صرعى بدأ العلماء حول العالم سباقاً محموماً لإيجاد لقاح وعلاج. هذه الجملة الأخيرة تحتاج إلى تكاتف جيش من علماء الحاسبات فائقة السرعة والذكاء الاصطناعي والكيمياء والطب والأوبئة. ما أن يظهر فيروس جديد نريد إيجاد لقاح له تكون الخطوة الأولى هي استخدام الحاسبات فائقة السرعة لعمل تحليل عن طريق المحاكاة لآلاف المركبات الكيميائية وتفاعلها مع الفيروس وجسم الإنسان، يستخدم الذكاء الاصطناعي لتسريع تلك العملية. تنتهي هذه الخطوة بإيجاد عدد من المركبات التي قد تصلح كلقاح (كما بينا في مقال سابق ) تلك الخطوة السابقة تحتاج بجانب علماء الحاسبات فريق من علماء الكيمياء والطب والأوبئة إلخ للتأكد من دقة المحاكاة وما الذي سيتم محاكاته بالضبط قبل أن تتم تجربة اللقاحات على الإنسان. في الطبيعي يتم تجربة اللقاحات على الحيوانات أولاً ثم البشر. نتيجة لضيق الوقت فقد تمت التجربة على البشر في بعض لقاحات الكورونا مباشرة وهي خطوة تتم على ثلاث مراحل كما تكلمنا بالتفصيل في المقال المشار أعلاه.
بخلاف إيجاد لقاح وعلاج فالمحاكاة على أجهزة الكمبيوتر فائقة السرعة استُخدمت لمعرفة سرعة انتشار الفيروس في مختلف الأماكن مثل المحلات والمطاعم والهواء الطلق إلخ ونتيجة تلك الأبحاث أصبحنا نسمع عن أهمية التباعد الاجتماعي والحد الأقصى لعدد الأشخاص في مختلف الأماكن المغلقة.
عندما ازداد عدد المرضى في المستشفيات وأصبح القطاع الطبي يواجه مشكلة سعة في جميع أنحاء العالم. هنا بدأ بعض علماء الحاسبات استخدام الذكاء الاصطناعي للتنبؤ إذا أصيب شخص ما بكورونا هل سيحتاج إلى سرير في العناية المركزة أو جهاز تنفس، هكذا تستطيع الأحياء في المدن التنبؤ باحتياجاتها من أجهزة التنفس مثلاً وبذلك تستطيع الدولة توزيع تلك الأجهزة تبعاً للاحتياج وقبل الاحتياج الفعلي كسباً للوقت.
هذا الفيروس أجبر البشر جميعاً على البقاء في المنازل لفترات طويلة تقليلاً للإصابات وهنا تأتي تكنولوجيا الاتصالات التي نحتاجها للعمل عن بعد وللدراسة عن بعد (كما وضحنا في مقال سابق).
من أهم القفزات التكنولوجية في 2020 هو اتجاه دول كثيرة إلى زيادة سعة شبكات اتصالاتها كي تستطيع مواجهة الارتفاع الكبير في عدد المستخدمين وكمية الاتصالات من اجتماعات وتدريس إلخ. تكنولوجيا الاتصالات نفسها ليست جديدة لكن زيادة السعة ليس شيئاً سهلاً ويحتاج الكثير من البراعة للوصول له بأقل تكلفة، فكم من تكنولوجيا تعمل جيداً عندما يكون عدد المستخدمين بالآلاف لكن تحدث الكارثة عندما يصبح العدد بالملايين. الكثير من الشركات أيضاً واجهت مشكلة الازدياد الشديد في عدد المستخدمين مثل شركة زووم وأمازون. هذا يستلزم التأكد من أن برمجيات هذه الشركات ستعمل بدون أخطاء مع هذا الازدياد الكبير وأن أجهزة الكمبيوتر التي تستخدمها تلك الشركات (يسمونها الخوادم لأنها تخدمك أو بمعنى أدق تخدم جهاز الكمبيوتر الذي تستخدمه في بيتك ويسمونها مراكز المعلومات لأنها تتعامل مع معلومات كثيرة منها معلوماتك) تستطيع مواجهة هذا الازدياد. كل ذلك يحتاج الكثير من البراعة وبعض الابتكار لذلك لا نكون مخطئين إذا وضعنا ذلك في قائمة الحصاد التكنولوجي ل2020.
ننتقل الآن إلى الحصاد السيء ل2020 وهو الخرافات التي انتشرت ولها علاقة بالتكنولوجيا.
الخرافة الأولى هي أن تكنولوجيا الاتصالات ال5G هي سبب فيروس الكورونا لأنها تضعف الجهاز المناعي أو تساعد على سرعة انتقال الفيروس والكثير من هذا الهراء. من الأسباب التي يقولوها أن تلك التكنولوجيا تمت تجربتها في مدينة وهان الصينية نقطة بداية انتشار الفيروس. هذا ليس صحيحاً لأن تلك التكنولوجيا تمت تجربتها في عدة مدن صينية قبل وهان ولم تحدث فيها إصابات بالفيروس. موجات الراديو (التي من أنواعها ال5G) القوية جداً قد تؤثر على الجسم لأنها تولد حرارة شديدة لكن موجات ال5G أضعف بكثير من أن تحدث هذا التأثير، إنها حتى أضعف بكثير من أشعة إكس المستخدمة في الأشعة الطبية التي يستعملها الأطباء كثيراً في التشخيص.
قصة أخرى تقترب من الخرافة هي الخوف من لقاح الكوفيد-19 لأن إعداده أخذ وقتاً أقل بكثير من اللقاحات السابقة، فما كان يأخذ ثمان إلى عشر سنوات انتهى في أقل من سنة. المدة الطويلة السابقة كانت نتيجة ثلاث عوامل: الموافقات الإدارية ووجود متطوعين والأجهزة المستخدمة. الموافقات الإدارية كانت تستغرق عدة سنوات في أمريكا مثلاً لكننا في حالة استثنائية فجاءت الموافقات سريعة جداً. كانت هناك صعوبات في إيجاد متطوعين لتجربة اللقاح عليهم وذلك كان يستغرق وقتاً طويلاً لكن في حالة الكورونا المتطوعون بالآلاف. أخيراً أجهزة الكمبيوتر الحالية أصبحت أقوي بكثير مما مضى بل أنها تتقدم في ظرف شهور وليس سنوات.
هذه عينة فقط من الخرافات "العلمية" ولنا معها وقفات مستقبلية إن شاء الله.
يجب التفكير في أي معلومة علمية تصل إلينا. في هذا العصر الغارق في المعلومات يمكننا أن نجد علاقة بين أي شيء وأي شيء آخر لكن هذا لا يعني أن العلاقة بينها حقيقية ... وللحديث بقية.