إلى المراهنين العرب على دونالد ترامب

محمد المنشاوي
محمد المنشاوي

آخر تحديث: الخميس 9 يناير 2025 - 8:30 م بتوقيت القاهرة

سيكون لأمريكا الدولة والقوة العالمية المهيمنة، بعد أربع سنوات من الآن، نفس المصالح والاهتمامات فى مختلف أركان العالم. بعد أربع سنوات، وربما قبل ذلك، سيكون الرئيس دونالد ترامب جزءا من التاريخ ينشغل به المؤرخون والأكاديميون، فيما سينشغل الأمريكيون بانتخابات جديدة ومرشحين جدد. وأستغرب ظهور مسئولين من دول عربية إلى جوار الرئيس ترامب فى مؤتمرات صحفية أو تجمعات احتفالية.
‎وقد، راهنت أطراف عربية على ترامب فى صور مختلفة، فقد اكتفت أطراف عربية زارت الولايات المتحدة قبل الانتخابات الأخيرة والانتخابات السابقة والسابقة عليها، بمقابلة مسئولين ومشرعين وخبراء محسوبين على الحزب الجمهورى وإدارة الرئيس دونالد ترامب، وتجنب مقابلة نظرائهم من الحزب الديمقراطى. وتدل هذه الاستراتيجية على قصر نظر كبيرة فى التعامل مع نظام سياسى لا يعرف الركود وتتأرجح فيه مراكز القوى الحزبية والفكرية والإعلامية بسرعة كبيرة. واستقبلت عواصم عربية متعددة نتائج الانتخابات الأمريكية، والتى أوصلت ترامب للمرة الثانية للبيت الأبيض، مع سيطرة بسيطة للجمهوريين على مجلسى النواب والشيوخ بسعادة وتطلع كبيرين. ولم تخف عواصم عربية ونخبها سعادتها بنتائج الانتخابات الأمريكية، وذهب البعض لتصوير نتائج هذه الانتخابات وكأنها نصر سياسى لهم فى المقام الأول.
• • •
‎ربما يمكن تفهم موقف بعض العواصم العربية السعيدة بوصول ترامب للحكم من منطلق علاقاتهم المالية والاستثمارية الوطيدة به، وبعائلته وبالكثير من مساعديه ورجال الأعمال النيويوركيين من أصدقائه الذين منحهم مناصب هامة خاصة فى ملفات قضايا الشرق الأوسط.
‎ومن أبرز هذه الشخصيات يأتى ستيفن ويتكوف، مبعوث ترامب الرئيسى للشرق الأوسط. وكان ويتكوف قد أشاد، فى وقت سابق، بتعامل ترامب مع إسرائيل، وأكد أن وصول ترامب للبيت الأبيض سيكون خبرا جيدا لإسرائيل والمنطقة بأسرها. ومع وجود صديقه ترامب، من المتوقع أن يكون ويتكوف لاعبا رئيسا فى إجراء التواصل فى جميع أنحاء المنطقة، حيث أشار ترامب إلى أنه سيعطى الأولوية لتوسيع الاتفاقيات الإبراهيمية، مع التركيز على المملكة العربية السعودية. ويمتلك ويتكوف علاقات مالية واستثمارية واسعة مع عواصم خليجية.
• • •
‎من ناحية أخرى، لا ينبغى للدول العربية أن تبالغ فى إظهار الغرام الرسمى بترامب أو بالجمهوريين، ولا ينبغى أن تفترض أن هناك صداقات فى السياسة الأمريكية، ولا ينبغى عليها إظهار عدم الاحترام وتجاهل المعسكر الديمقراطى فى منظومة الحكم الأمريكى حتى مع هزيمتهم المدوية فى انتخابات 2024.
‎يمثل الغرام العربى الرسمى بترامب قصورا فى الفهم العربى لطبيعة ديناميكيات واشنطن وتوازنات القوة بين الكونجرس وتوجهات أعضائه ومصالحهم الخاصة، أجهزة الدولة الأمريكية العميقة، وساكن البيت الأبيض المؤقت.
‎يسيطر الجمهوريون على مجلس النواب بفارق 4 أصوات، ويسيطرون على أغلبية مجلس الشيوخ بفارق 3 أصوات فقط. إلا أنه من المهم تذكر أن هناك انتخابات للكونجرس ستجرى قبل أقل من عامين من الآن، وينتظر أن يتغير على إثرها توازن القوى داخل المجلسين بصورة كبيرة، كما جرت العادة الأمريكية فى أول سنتين من الحكم للرئيس الجديد.
• • •
‎لم يختلف الحزبان، ولا المرشحان الرئاسيان فى انتخابات 2024، فى مواقفهما فى مختلف قضايا الشرق الأوسط وعلى رأسها الدعم الكامل لإسرائيل. ولم يختلفا كذلك على موقفهما من قضايا المنطقة سواء ما يتعلق بتأمين منطقة الخليج، أو بالعداء لإيران، أو تجاه قضايا الحريات وحقوق الإنسان وحقوق الأقليات. ويتفق الحزبان على ضرورة الهيمنة الأمريكية، ومناصرة إسرائيل، ودمجها فى عملية تطبيع واسعة تشمل المملكة العربية السعودية قريبا، ومن بعدها بقية الدول الخليجية الغنية، ولاحقا بقية دول الشرق الأوسط، وتهميش قضية الحق الفلسطينى فى دولة مستقلة أو حتى كيان ليس بدولة يحكم نفسه ذاتيا.
‎يتفق الحزبان الديمقراطى والجمهورى، ومن ورائهما أجهزة الدولة العميقة على مصالح واشنطن الثابتة فى المنطقة، من هنا ليس بالحكمة أن تراهن أطراف عربية على طرف أمريكى على حساب الطرف الآخر، وتعبر عن سعادتها بوصول مرشح أو آخر للحكم.
‎فى النهاية، لا ينبغى كذلك أن نتجاهل أن ترامب نفسه رجل أعمال بالدرجة الأولى، وفى إطار حساباته دائما ينظر على ما يأخذه من الجانب الآخر.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved