البحث عن «لايك»

عماد الغزالي
عماد الغزالي

آخر تحديث: الإثنين 9 مارس 2015 - 8:30 ص بتوقيت القاهرة

باختصار، نحن نعيش أزهى عصور «القلش».
لا أحد يدقق، لا أحد يبنى رأيا على معلومة صحيحة، كله ــ إلا من رحم ربى ــ يكتب على طريقة «ما يطلبه المستمعون» بحثا عن أكبر عدد من «اللايكات».
حالة «فيسبوكية» شبقة، يستوى فى ذلك الجمهور العادى من مدمنى شبكات التواصل الاجتماعى، مع من نطلق عليهم زورا وبهتانا: النخبة.
الكل يجرى على التراك ذاته، إغواء غريب تقوده نزعات غوغائية، ويلهث خلفه النخبويون فى تبادل مذهل للأدوار.
خد عندك..
حملة ضارية على زوجة محافظ الإسكندرية التى تجرأت وحضرت اجتماعا لوزيرة التطوير الحضارى والعشوائيات، وزارت قصر ثقافة الشاطبى.
هجوم شرس خالٍ من أبسط معانى الذوق والنخوة، ومساحات مفتوحة فى الصحف والفضائيات لمناقشة «هذه القضية الخطيرة» التى تهدد أمن البلاد، بل أن أحد الكائنات الفضائية التى ابتلينا بها فى هذا الزمان، يهدد المحافظ ويطالبه بأن«يلم» زوجته.
والحقيقة أن السيدة الفاضلة لها نشاط ملموس فى مجال تحسين البيئة السكندرية، وحضرت اجتماع الوزيرة ضمن كثيرين من المهتمين بالبيئة فى المحافظة، ليطرحوا أفكارا لحل مشكلة القمامة، وحين زارت قصر ثقافة الشاطبى، زارته بالصفة ذاتها، باعتبارها مواطنة إيجابية يهمها تحسين حالة بلدها، لكن ذلك لم يعجب بعضهم فانطلقوا يلسعونها بألسنة حداد، وانجرف خلفهم كثيرون من «كتبة» الصحف بحثا عن أكبر عدد من اللايكات، بدلا من تشجيع هذا النمط فى الخدمة العامة، بعيدا عن نشطاء السبوبة ومحترفى تمويلات الجمعيات إياها.
حكاية كلب الأهرام تقدم لنا نموذجا آخر لحالة السعار ذاتها.
فجأة تحول آلاف المصريين إلى مناضلين فى مجال الرفق بالحيوان، وانطلقوا يسبون قاتلى الكلب ويتهمونهم بالقسوة والوحشية، ويصفون صاحبه بالجبن والنذالة، وبرغم إدانتى الكاملة لعملية ذبح الكلب على الطريقة الداعشية، فإننى تمنيت لو تروى الباحثون عن اللايكات قليلا ليتعرفوا أكثر على جوانب القضية، فقد اتضح لنا، أن صاحب الكلب كثيرا ما استخدمه فى ابتزاز الناس وإرهابهم، وأن الخلاص من الكلب وصاحبه كان مطلبا جماعيا لسكان الحى، بعد ما لاقوه منهما معا.
أما انشغالنا بترشيح الراقصة سما المصرى فى الانتخابات البرلمانية فحدّث ولا حرج، وبصرف النظر عن رأيك ورأيى فيما تمثله، فإنها تبقى مواطنة مصرية يحق لها أن تترشح لأى منصب ما لم يكن هناك مانع دستورى أو قانونى.
وحتى حين توجّه رئيس الجمهورية بحديثه إلى الناس قبل أسبوعين تقريبا، فإن كثيرين انساقوا خلف الحيلة الخبيثة التى أطلقها بعضهم على الفيسبوك، بالتركيز على حركة الكاميرا وافتكاسات المخرج، بدلا من مناقشة القضايا التى طرحت فى الخطاب، والمبادرة باقتراحات لما ينبغى أن يتضمنه حوار الشهر المقبل.
وإذا كان مفهوما هذه الحالة من قلة الذوق والسوقية لبعض مناضلى مواقع التواصل الاجتماعى، فليس مفهوما ولا مقبولا أن ينجرف خلفها نفر ممن يفترض أنهم يعملون على رفع وعى الناس وتنمية إدراكهم بالقضايا العامة، فإذا بهم يزيفون هذا الوعى ويجرفونه إلى أزقة ومنحدرات هامشية، ويشغلونه بالتسريبات والمستمسكات صباح مساء.
لا دليل عندى على أن عملية تشتيت الرأى العام وتزييف وعيه تتم بقصد عبر لجان إلكترونية يهمها إشاعة مناخ عام من الإحباط واللخبطة، لكن المؤكد أن الانسياق خلف هذه العملية سواء كانت مخططة أو عشوائية يصب فى المجرى ذاته.
خلاصة القول إن الفيسبوك وتويتر ليسا مصادر أخبار، بالعكس، هى بلاعات طافحة بالأكاذيب والإشاعات فى معظم الأحيان.
كما أن المخاطر المؤكدة المحيطة بنا، وسعينا للنهوض من كبوتنا التى طالت واستطالت، يلزمنا بالالتفات إلى قضايانا الحقيقية، والبعد عن التفاهات والمماحكات المعوّقة، فالوقت ليس فى صالحنا.
الأهم، أن اللهاث خلف اللايكات والكتابة على طريقة ما يطلبه المستمعون، ليست هى الطريقة المثلى لبناء الوطن، فالزبون ليس دائما على حق.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved