التلاعب الإثيوبى بورقة المياه
طلعت إسماعيل
آخر تحديث:
الإثنين 9 مارس 2020 - 10:30 م
بتوقيت القاهرة
هل كنا نحتاج الانتظار خمس سنوات لنكتشف أن إثيوبيا تراوغ وتناور كسبا للوقت لتحقيق مصالحها فى ملف سد النهضة؟، وهل كنا نحتاج كل هذا الوقت لاختبار سوء نوايا أديس أبابا، وسعيها لفرض الأمر الواقع، وبناء ما يفوق عن 70% من منشآت السد والاقتراب من مرحلة ملء وتخزين المياه خلفه؟!
ذهبت مصر طائعة وبكامل رغبتها للتفاوض مع الجانب الإثيوبى وبمشاركة سودانية للوصول إلى حل يضمن لجميع الأطراف حقوقها فى مياه نهر النيل، عقب توقيع وثيقة إعلان مبادئ سد النهضة بين قادة الدول الثلاث فى الخرطوم فى 23 مارس 2015، وشاركت القاهرة فى العديد من جولات التفاوض التى عقدت فى عواصم الدول الثلاث بالتناوب قبل اللجوء إلى الجانب الأمريكى والبنك الدولى، فهل كنا طوال تلك المدة لا نلمس ألاعيب أديس أبابا لتحقيق مآربها؟!
فى محطات عديدة على مدى السنوات الخمس الماضية كان واضحا إلى أى مدى تراوغ أديس أبابا، متزرعة بهذه الحجة أو تلك، لإطالة أمد المفاوضات، ولم يكن خافيا على أحد التكتيك الإثيوبى لإضاعة الوقت لتحقيق مكاسب، وهى لعبة مكشوفة لم تكن تنطلى على أحد، غير أنه فى كثير من الأحيان كنا نصمت فى الإعلام، ونغض الطرف مكرهين، حرصا على «تهيئة الأجواء» لإنجاح المفاوضات، ومنح المفاوضين فرصة للعمل بعيدا عن ضغوط الرأى العام وهو ما لم تكن إثيوبيا وإعلامها يلتزمان به فى العديد من الأوقات!.
السؤال.. ماذا نحن فاعلون مع انكشاف كل الألاعيب، وافتقاد إثيوبيا «للياقة وعدم الدبلوماسية» فى تعاملها مع ملف سد النهضة، وتطاولها على قرار مجلس الجامعة العربية الذى اعتبر «أمن مصر المائى جزءا لا يتجزأ من الأمن القومى العربى»، ووصفته أديس أبابا بأنه «دعم أعمى لبلد عضو»، ما استدعى إصدار الخارجية المصرية بيانا هو الأعنف فى الرد على الموقف الإثيوبى، باعتباره «إهانة غير مقبولة لجامعة الدول العربية ودولها الأعضاء»؟.
هذا التصعيد غير المسبوق، والخشونة فى استخدام «الألفاظ» ربما يعكس ما كان يحدث داخل الغرف المغلقة من مشكلات، وضغوط فى مراحل التفاوض المختلفة، حتى وصلنا إلى محطة تهرب إثيوبيا من التوقيع على الاتفاق الخاص بقواعد ملء وتشغيل السد التى جرى التفاوض بشأنها لعدة أشهر فى العاصمة الأمريكية واشنطن، وقبل أن تكشف أديس أبابا عن اعتزامها ملء السد فى يوليو المقبل ومن دون الالتفات إلى مصالح دولتى المعبر «السودان» والمصب «مصر».
وإذا كان الأمر كذلك لماذا صمتنا، وأعطينا إثيوبيا هذه الثقة حتى تجرأت إلى حد الإعلان بشكل سافر وصريح وربما بـ«صفاقة» عن موقفها الذى اعتبر «إهانة للجامعة العربية»؟، ألم يكن من الأفضل فى إدارة هذا الملف الكشف بشفافية عن الصعوبات التى تواجهنا، وأن نشرك الرأى العام فى واحد من أهم القضايا المصيرية التى تتعلق بأمننا المائى، وهو بمثابة حياة أو موت لكل المصريين؟!
اليوم يجول وزير الخارجية السيد سامح شكرى على سبع من دول عرب آسيا سعيا لحشد التأييد والدعم لمصر على الصعيدين الإقليمى والدولى من أجل فتح ثغرات ربما تكون مفيدة لحلحلة الأزمة، وتجنب المزيد من التصعيد، فهل يعنى ذلك أن عرب إفريقيا غير مدعوين؟، وماذا عن باقى دول القارة السمراء، ألا يجب دعوة هؤلاء أيضا ليدلوا بدلائهم فى الملف الذى يشكل تهديدا لمستقبل العلاقات بين دول الاتحاد الإفريقى؟
وماذا عن الموقف السودانى الذى أظهر انحيازا واضحا للجانب الإثيوبى سواء بعدم التوقيع فى واشنطن على اتفاق السد، أو بالتحفظ على بيان جامعة الدول العربية الداعم لمصر؟!، هل خسرنا هذه الورقة التى تفتح بابا أوسع للشقاق بما يعطى مجالا لبعض الأصوات التى بدأت ــ للأسف ــ تطالب بالضغط على الخرطوم عبر ملف إقامة ملايين الأشقاء السودانيين فى مصر.
التلاعب الإثيوبى بمستقبل مياه النيل يحتاج لمهارة أكبر فى استغلال كل الأوراق، وإشراك الرأى العام فى التفاصيل المهمة، وألا تكون دعوات الاصطفاف الوطنى مجرد استدعاء مؤقت لـ «الجمهور» فى هذا الملف الذى يبدو أنه دخل مرحلة الخطر الحقيقى.