رياض نجيب الريس.. عندما يبوح

خولة مطر
خولة مطر

آخر تحديث: الأحد 9 أبريل 2017 - 10:10 م بتوقيت القاهرة

ليس مثلها ذكريات حتما.. ليس مثلها لصحفى لم يعرف عشقا إلا هو الأوحد، عشقه الأبدى فى نقش الحرف على الورق، حتى إنه لا يزال يرفض كل الحداثة التى تسللت إلى تفاصيل حياتنا حتى أصبحنا مدمنين عليها أو لا نعرف كيف تكون الحياة دون جهاز كمبيوتر أو هاتف ذكى أو أى بد.. إلخ.
هو أستاذ الأساتذة حتما، أكثر صحفى انغمس فى العمل الصحفى حتى الثمالة.. وخلق نموذجا نادرا بل هو اليوم أقرب إلى الانقراض..
رياض نجيب الريس.. أستاذنا الذى كنا نقف أمامه تلاميذ مذهولين بقدرته الرائعة فى صياغة الحبكة لقصة صحفية متكاملة.. هو فنان الصحافة المعتق وآخر الصحفيين الحقيقيين.. أن يلتقى هو بإحدى تلميذاته فيرسما معا بعضا من ذكرياته.. قبل أن يبدأ قال لا يفهمنى أحد كـ«سعاد»، وسعاد هى الصديقة والزميلة الصحفية إحدى خريجات مدرسة رياض الريس للصحافة.. سعاد جروس التى تقول بأن كل سنوات دراسة الصحافة لم تعلمها كما الجلسة المختصرة مع الأستاذ رياض.. لا تزال تناديه هكذا الأستاذ.. لأننا نحن تلاميذه من جيل كامل من الصحفيين لا نعرف أن نناديه باسمه على الرغم من بساطته وتواضعه ونقائه الذى لا يشبه إلا الماء!

***

أن تجلس سعاد تنبش فى شرايين ذاكرة الأستاذ رياض فتنساب الحكايات واحدة تلو الأخرى فى أسلوب عذب وسلس لمهمات صحفية تتجاور مع المغامرات التى كثيرا منها لا تخلو من المخاطرة.. فيخرج كتاب «صحفى المسافات الطويلة» عن داره... دار رياض الريس للنشر.. بعض حلمه الذى تحقق، حلم لم يبعده عن عشقه الأول الصحافة ولم يستطع أن يطفئ ذاك الصحفى المشاغب فيه الذى لا يزال ينبض وينتفض ويتابع ويعلق ويسخر من كثير مما يحدث وكثير مما قاله هو قبل سنين طويلة أو على الأقل توقع حدوثه.
لقاءات مع زعماء، وتعارف وتصادم مع صحفيين من جيله أو من جيل من قبله أو بعده.. تجارب كثيرة لمجلات لم يعرف الوطن العربى شبيها لها.. لأنه ــ أى رياض الريس ــ لا يشبهه أحد من كل ذلك الجيل من الصحفيين العرب فتجربته خاصة جدا جدا.. وانتشاره كان أوسع من بلد واحد وأكبر من منطقة وأعمق من اللغة.. عرف كيف يصطاد القصة ويحبكها.. يطارد الحدث.. شىء تعلمه منه بعضنا فقمنا نحاول أن نسير على نفس الدرب.. هل وصلنا إلى عمق تجربته ومعرفته؟ أتصور أن الإجابة بالتأكيد هى لا ولكن كان لبعضنا شرف المحاولة والسير على خطى الأستاذ رياض..

***

لا يمكن أن تقرأ «صحافى المسافات الطويلة» دون أن تنتابك الحسرة على الصحافة العربية اليوم من المحيط إلى الخليج وربما على الكثير من الصحفيين الشباب وتلك الأعداد من الشباب والشابات الملتحقين بكليات الإعلام فى جامعاتنا التى قد لا تعلمهم إلا بعضا من المادة الجافة وهى لا تشبه الصحافة فى شىء، وكثير من الأحلام فى الوصول السريع إلى الشهرة عبر القفز بدلا من المشى خطوة خطوة فى درب قد يكون شديد الصعوبة. أصبح الإعلام ضحية للتجاذبات السياسية والسيطرة المالية وما بينهما من فساد ونفاق وغيره.. هم كلهم صحفيو المسافات القصيرة بل المختزلة فيما كان هو صحفى المسافات الطويلة مع مرتبة الشرف.
عرف كل الأسماء الصحفية التى كانت.. وكان يرسم الكلمة. وأكاد أجزم بأنه لم يعرف صحفى من جيله أو ما بعده أو قبله فى دولنا العربية، صحفى أتقن فن العنوان واختياره وهذا أمر حاول كثيرون من تلاميذه أن يقلدوه فيه ولا عيب فى أن يقلد التلميذ أستاذه.. يحكى فى الكتاب حكاياته مع رؤساء وزعماء عرب بعضهم شديد الطرف أو ربما الحزن المغلف بالظرف. وفى تجربته يرسم صورة لمرحلة فى سوريا ولبنان. أحزاب سياسية وتجارب طلابية ومدارس كثيرة وتجاذبات ولم ينسَ أن يسمى الأشياء بأسمائها وهو العارف أو الأكثر قدرة على تسمية الأمور كما هى دون مكياج. لم ينس أن يتحدث عن عنصريتنا التى لا تزال مخزنة بداخل كثيرين منا على الرغم من نكراننا لها، عن تعصبنا وطائفيتنا وكثير من أمراض أحزابنا يسارية هى أو قومية. فرياض الريس الصحفى والسياسى المخضرم لم يعرف أن ينضم لأى حزب عربى فى زمن كانت الأحزاب أكثر من محال البقالة كما شكلت تفاصيل مرحلة مهمة من تاريخ هذه المنطقة.

***

هناك الكثير مما يمكن أن يقال ويكتب عن هذه التجربة أو جزء من تلك التجربة التى تجذبك بشديد من الرشاقة إليها فى «صحافى المسافات الطويلة» كثير من الخبرة والتجارب والجمال عندما تلتقى التلميذة بأستاذها فتمارس عليه ما تعلمته منه.. سعاد جروس فى حوارها مع أستاذها رياض الريس أتقنت فن الحوار الذى علمنا هو إياه كدرسنا الأول فى الصحافة وعرفت كيف تجره إلى مساحات كثيرة للبوح الجميل لصحفى علم أجيالا أن الصحافة ليست مهنة بل هى عشق.

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved