محنة عادل صبرى
طلعت إسماعيل
آخر تحديث:
الإثنين 9 أبريل 2018 - 9:10 م
بتوقيت القاهرة
فى السنوات الأولى من ثمانينات القرن الماضى كنا نجلس فى أحد مدرجات كلية الإعلام جامعة القاهرة أمام قامة كبرى، ليس لكونه تولى منصب وزير الإعلام، أو لرئاسته عدة لجان برلمانية بينها لجنة الشئون التشريعية، بل لكونه حجة قانونية ودستورية، ومحاميا مرموقا تهتز له قاعات المحاكم، حيث كان يحاضرنا فى التشريعات الإعلامية والضوابط القانونية التى ينبغى على الصحفى معرفتها عند النشر.
هذا هو الدكتور جمال العطيفى، الذى لم نكن نجهل قدره ونحن لا نزال نحبو فى ساحة الاهتمام بالعمل العام، غير أن مناكفات الشباب جعلتنا نتجرأ على الرجل ونهاجمه لتوليه رئاسة هيئة الدفاع فى قضية كان الرأى العام، بفعل الإعلام، يتخذ موقفا سلبيا ضد المتهمين فيها، وعلى رأسهم ممثلة شهيرة.
يومها تركنا الدكتور العطيفى، رحمه الله، نتصايح ونحتج بأصوات عالية حولت قاعة الدرس إلى ما يشبه إحدى أسواق القرى، والرجل يبتسم فى صبر لمدة تجاوزت الخمس عشرة دقيقة، وبعد أن هدأ المدرج، وصمت المحتجون، قال الدكتور: يا أبنائى، ما ذكرتموه قاله لى أولادى فى البيت، لكن ما أريد أن تتعلموه أن المحامى عندما يجبن عن الدفاع عن متهم فى قضية رأى عام، أو عن أناس يواجهون اتهامات قد يبدو صعبا الدفاع عنها، فقولوا على العدل السلام.
بعدها حمل الدكتور العطيفى حقيبة يده، وخرج من المدرج، ونحن فى صمت كأن الطير فوق رءوسنا، بعد أن تعلمنا درسا أعتقد أن غالبيتنا لا يزال يتذكره عن فضيلة الدفاع عن المتهم وإن وقف جميع الناس ضده، فقد حصلت الممثلة على البراءة فيما بعد، والمؤلم أن أستاذنا رحل إلى جوار ربه بعد حوارنا معه بعد أسابيع، وقبل أن ننهل المزيد من علمه وحكمته.
هذا المشهد استدعته ذاكرتى وأنا أتابع المحنة التى يمر بها زميلى وابن دفعتى فى كلية الإعلام، عادل صبرى، رئيس تحرير موقع «مصر العربية» الذى كان ضمن من حضروا درس الدكتور العطيفى، فيما زملاء كثر لعادل، يتجنبون أو يتجاهلون الآن الحديث عنه، خوفا أو طمعا، وكأنه ليس مجرد متهم تنطبق عليه القاعدة القانونية التى تقول إن المتهم برىء حتى تثبت إدانته.
عرفت عادل فى العام الأول لالتحاقنا بالجامعة، وتابعت مسيرته المهنية بعد تخرجنا، حيث عمل بصحيفة «الوفد»، فيما تنقلت أنا بين العديد من الصحف المعبرة عن التيار الناصرى، ورغم اختلاف توجهاتنا، أشهد له بالمهنية والموضوعية فلم يكن مغاليا فى طرح أفكاره، ولا متشددا فى خلافه مع أصحاب الآراء المغايرة، وعلى الصعيد الإنسانى، أنت أمام شخص يذوب رقة وتهذيبا، يخجل أن يرفع صوته وإن احتد النقاش، ولا يتحدث إلا همسا.
على هامش العديد من الفعاليات العامة كنت ألتقى الزميل، وحدثنى عدة مرات عن موقع «مصر العربية» وكيف داهمته شرطة المصنفات الفنية أكثر من مرة ولم تجد لديه أية مخالفة تذكر، قبل أن نفاجأ الثلاثاء الماضى بالقبض عليه بتهمة مخالفة شروط الترخيص فى البداية، ليواجه فى وقت لاحق بجملة من التهم عقب ورود تحريات الأمن الوطنى إلى نيابة الدقى، بينها بث أخبار كاذبة، والانضمام إلى جماعة محظورة، والحض على التظاهر قبل أن تقرر النيابة حبسه 15 يوما على ذمة القضية.
اليوم يقبع عادل فى محبسه انتظارا لقرار القضاء فى الاتهامات الموجهه إليه، وهى اتهامات كما قلت تنطبق عليها القاعدة القانونية «المتهم برىء حتى تثبت إدانته» غير أن ما يشعرنى بالأسف هو الحالة التى وصل إليها الزملاء فى التعامل مع قضايا النشر والحريات، إذ إننا أمام فريق يتشفى ويكيل من عنده سيلا من الاتهامات التى لم تثبت صحتها، وفريق آخر يؤثر السلامة ويتجنب حتى الحديث عما يجرى.
وفى الأخير.. إلى الزميل عادل صبرى.. كلى ثقة أن العدل الذى تحمل صفته سينصفك، ولكن تحلَّ بالصبر، قرين لقبك، ولا تحزن يا أبا عمر فالمحن تكشف معادن الرجال.