بنات الليل
محمود قاسم
آخر تحديث:
السبت 10 أبريل 2021 - 4:39 م
بتوقيت القاهرة
بكل ثقة أكرر أن المجهول فى تاريخ الأفلام المصرية أكثر من المعلوم وأن الأفلام التى شاهدها نقادنا طوال مسيرتهم أقل بكثير من استيعاب هذا التاريخ، اليوم نكتشف أمرا غريبا يخص النجمة هند رستم فى بداية مسيرتها كبطلة للأفلام، كانت من خلال حسن الإمام الذى قدمها فى دور الراقصة المغنية بصوت نادية فهمى وهى تغنى «آه يا سلام على الهواء»، ثم ما لبث أن منحها البطولة المطلقة فى فيلمين متتاليين هما: «بنات الليل»، «الجسد» وبالنسبة للفيلم الأول فإن البطولة لمديحة يسرى؛ حيث غنت بصوت ليلى فهمى أغنيات مثل «عشقت كتير» وغيرها، الجديد فى الأمر هو صوت هند رستم فى هذا الفيلم فقد استعارت صوت مطربة أخرى وممثلة هى زوزو نبيل.
تحدثنا فى مقال سابق أن زوزو نبيل كانت تمثل المشروع الطموح كممثلة موهوبة فى سينما حسن الإمام وبدى ذلك فى فيلم «فى شرع مين»، و«زمن العجائب» و«أسرار الناس» ولكن فى هذه الفترة شهرزاد الإذاعة الذى ليس لصوتها مثيل كانت تتقدم فى السن بشكل ملحوظ، ولم تعد شابة ويبدو أن حسن الإمام كان يراهن على هند رستم بمزيد من القلق، وما فعله فى فيلم «بنات الليل» حيث تكلمت نعيمة بطلة الفيلم بصوت زوزو نبيل فى الجزء الأول من الفيلم ولم يلحظ أحد أن بقية الفيلم بصوت هند رستم، هو رهان مرَّ على الباحثين دون أن نلاحظ الأمر وحتى الآن رغم وجود الفيلم فإن من يكتبوا تاريخ السينما لم يتوصلوا إلى هذا الأمر، وكم تمنيت لو سمعت تعليقا من أصحاب الفيلم حول هذه الظاهرة كل ما يمكن قوله إن التجربة نجحت وصارت هند رستم من أبرز نجمات الخمسينيات وكم تقابلت مع زوزو نبيل فى أفلام أخرى إخراج حسن الإمام شفيقة القبطية وامرأة على الهامش.
أما فيلم اليوم فهو مدخل للتعرف على الصورة التى شغف بها المخرج لتقديم نجمته فهى ابنة ليل مثلما حدث فى «الجسد» أو فنانة فى عالم الرقص مثل «شفيقة القبطية» أو «تفاحة آدم» أو «رحمة من السماء»، أما فيلم «بنات الليل» فإن نعيمة هى البنت الفقيرة الورعة مثل أبيها التى تضطر إلى العمل كراقصة وتحمل خطيئة من زبون مجهول قبل أن تقع فى قصة حب مع حسين ابن أحد أصدقاء أبيها، كالعادة فإن التناقض ظاهر، هى تحمل خطيئتها فى بطنها وأهل حبيبها يرون فيها الورع والالتزام الدينى، ويؤدى حسين رياض هنا شخصية الأب الذى يسكن فى السيدة زينب ويتكلم دائما عن الأخلاق المثالية، ولذا فليس من الغريب عليه أن يتصدى بقوة للراقصة التى خدعته وابنه عندما يعلم الحقيقة، نعيمة هنا مثل بطلات المخرج هى العاهرة الفاضلة فى «ليس لها ذنب» فيما سقطت إليه باعتبار أنها منزوعة من العائلة ومضطرة إلى تدبير لقمة العيش، وهى عاهرة لأنها سلمت جسدها إلى رجل مجهول لكنها فاضلة؛ هذا هو الجانب الأيمن من القصة أم الجانب الأيسر فهو خاص بزوجة ثرية تجسدها مديحة يسرى تأخرت كثيرا فى الإنجاب، وتريد أن تلد لزوجها ولدا بأى ثمن حتى إذا حملت وأجهضت بسبب حادث عارض، وصار عليها أن تمتثل لممرضة عليها تدبير الأطفال لمن لم يرزقوا بشكل شرعى، هذا الدور تجسده زوزو حمدى الحكيم بإتقان شديد لم يحدث فى تاريخها من قبل، فهى زيضا ذات صوت رخيم قادر على إقناع المرأتين بالخضوع لشروطها باعتبار زن مفتاح التعرف على الزبطال فى هذا الفيلم قائم على (الحاجة) فنعيمة تريد التخلص من الجنين بدافع الشرف وفى فترة أخرى تبيع هذا الجنين لتدبر علاج العمود الفقرى لحبيبها حسين، كما أن الأب يخضغ للظروف باعتبار أنه يريد لابنه استعادة صحته، أما الزوجة العاقر فإنها تفعل كل ما لديها لإشباع رغبة الزوج فى أن يكون أبا، وسط هذه الحاجات المتراكبة تصطدم مصائر الأشخاص كى يتم تنقية الدنيا من شرور أبنائها، فى هذا الفيلم غنت هند رستم ورقصت واستطاعت أن تدخل عالم النجومية لتنضج من فيلم إلى آخر لتكون الأيقونة التى تجذب انتباه كل من يوسف شاهين فى «باب الحديد» وعاطف سالم فى «جريمة حب» و«صراع فى الميناء» وصلاح أبو سيف فى «لا أنام» وهى مسيرة يجب الحديث عنها فى وقت آخر.