عن الأبحاث العلمية المنشورة
محمد زهران
آخر تحديث:
الأحد 9 مايو 2021 - 4:30 م
بتوقيت القاهرة
البحث العلمي يحتوي على الكثير من الخطوات منها اختيار نقطة البحث ثم إتباع المنهج العلمي في حلها ثم كتابة البحث ونشره، وهذه النقطة الأخيرة هي ما نريد أن نتكلم عنه. النشر العلمي هو في القلب من العملية البحثية. بدون نشر لن يرى الآخرون إضافتك للعلم ولن يستفيد منه العالم. النشر أيضاً أو محاولة النشر كخطوة أولى يجعلك تعرف رأي العلماء الآخرين في عملك، من السهل أن تتجه للإعلام وتتكلم عن عملك لأنه من السهل إقناع العامة إذا كنت تمتلك حسن البيان، لكن من الصعب إقناع الخاصة (أي المتخصصين في نفس مجالك) بإضافتك العلمية ما لم يكن بحثك فعلاً يستحق، لذلك أولى علامات الدجل العلمي اتجاه الشخص للإعلام قبل الاتجاه للنشر العلمي في مجلات أو مؤتمرات معتبرة في تخصصه وهناك كتاب مفيد يتكلم عن هذا الدجل العلمي بعنوان "علم الفودو: عن الطريق من الحماقة إلى الاحتيال" أو
(Voodoo Science: The Road from Foolishness to Fraud)
وهو كتاب يتحدث عن علامات الدجل العلمي عند شخص يدعي العلم. أعتقد أن هذا الكتاب مفيد لنا جميعاً لنقرأه بالإضافة إلى العمل على التخلص من عقدة الخواجة فليس كل من عمل في جامعة في الخارج هو أحمد زويل وليس كل من حصل على الدكتوراه "من بره" هو علي مصطفى مشرفة.
النشر العلمي يستلزم أن يراجع بحثك عدد من المتخصصين قبل أن يوافقوا على نشر البحث في المجلة العلمية أو المؤتمر العلمي، ومقالنا اليوم يتحدث عن عملية المراجعة أو التحكيم هذه من أول اختيار المراجعين وحتى كتابة تقرير المراجعة الذي يكتبه كل مراجع على حده.
اختيار المراجعين للبحث يتم عن طريق مدير تحرير المجلة العلمية بمساعدة لجنة من المتخصصين في المجال. أسلوب المراجعة يتم بطريقة بحيث لا يعرف المراجع من هم المؤلفين، ولا يعرف المؤلفون من راجع البحث، عادة في المجلات والمؤتمرات القوية يُعطى البحث لأربعة إلى ستة من المراجعين وكل منهم يكتب تقريره، ثم تتناقش لجنة تحكيم فيما بينها بعد قراءة التقارير إذا كانت ستقبل البحث للنشر أم لا، وفي كل الحالات يتم إرسال جميع التقارير الخاصة بكل بحث إلى المؤلفين طبعاً بعد رفع الأسماء. هناك عدة أشخاص لا يحق لهم مراجعة بحثك، أي زميل لك في نفس الجامعة لا يحق له تحكيم ومراجعة بحثك، مشرفك في الماجستير أو الدكتوراه لا يحق له تحكيم أبحاثك مدى الحياة، طلبتك الذين تخرجوا من عندك في الماجستير أو الدكتوراه لا يحق لهم مراجعة أبحاثك مدى الحياة، أي شخص لك به صلة قرابة حتى الدرجة الرابعة لا يحق له تحكيم البحث بالإضافة إلى أي شخص تعاون ونشر معك بحث علمي في السنوات الأربعة أو الخمسة الماضية. كلما كانت المجلة أو المؤتمر أضعف كلما خالفت واحد أو أكثر من تلك الشروط.
شخصية المراجع تؤثر في البحث العلمي بطريقة كبيرة، إذا تساهلت جداً في التحكيم (أي كنت "راجل طيب") فقد تتسبب في ظهور بحث خاطئ قد يضل باحثين آخرين فيما بعد. وإذا تشددت جداً وكان تحكيمك أو نقدك قاسياً فأنت وقعت في خطأين، الأول أنك نسيت أن الكمال لله وحده وأي بحث في هذا العالم حتماً فيه نقاط ضعف، ما هي نقاط الضعف التي يمكن أن تتغاضى عنها وما هي التي لا يمكن التغاضي عنها يعلمها المتمكنون من علمهم وتخصصهم لذلك يجب على القائمين على المجلة أو المؤتمر أن يختاروا بحرص ودقة شديدين من يحكمون البحث، الخطأ الثاني أنك تنسى أو تتناسى أن أغلب المؤلفين للأبحاث هم من طلبة الدراسات العليا أو أبحاث ما بعد الدكتوراه، لذا دورك أن تقوِم الأخطاء التي تراها بطريقة تدفعهم لتحسين أدائهم وليس بطريقة تؤدي إلى إحباطهم.
وقبل أن أنهي هذا المقال عندي بعض الأسئلة لك لو كنت من الباحثين التي يحكمون أبحاث الغير، هذه الأسئلة حاول الإجابة عنها بكل صراحة بينك وبين نفسك: هل تظن أن القسوة الشديدة في التحكيم تصلح في عصرنا هذا؟ وهل لوتعامل معك الأخرون بقسوة شديدة عندما كنت طالباً فهل كنت ستصل لمكانتك هذه؟ هل لو عرفت أن البحث الذي تحكمه هو لأستاذ جامعي ينقصه نشر بحث واحد حتى يحصل على ترقيته الأخيرة قبل المعاش وهذا البحث الذي بين يديك ضعيف فهل ستقبله كلفتة إنسانية؟
تحكيم الأبحاث العلمية هي في حد ذاتها مساهمة في البحث العلمي