وأدركها الصباح أو ربما أدركنا!
خولة مطر
آخر تحديث:
الأحد 9 يوليه 2017 - 9:35 م
بتوقيت القاهرة
قال ذاك الباحث الهندى المتعمق وكرر عليكم أنتم العرب أن ترسموا صورة أخرى غير ألف ليلة وليلة لكى يراكم العالم بمشهد جديد وإلا فلابد لنا جميعا نحن المراقبون لما يحدث عندكم وعليكم ومنكم بكثير من الخوف عليكم أولا ربما أن نقوم بذلك؟! وإلا فكسر هذه الظلمة التى تبثونها عبر أجهزتكم ومواقعكم بالعودة إلى صوركم الجميلة القديمة فها هى ألف ليلة وليلة وشهرزاد وبعض الصور الصوفية وغيرها وغيرها..
هذا الباحث المطلع لا يتحدث عن الأدب بل عن الاقتصاد فماذا عن أولئك الذين ينبشون فى الأدب وفى السياسة وفى الاجتماع والدين ويوميات العرب اليوم؟ ماذا عنهم فى بحثهم المستمر عن بعض الضوء.. عن بصيص نور.. عن خيط جديد يشير إلى استمرار حضارة كانت.. ماذا عنهم وهم لا يجدون إلا العودة للماضى حتى لا تتشوه صورة هذا الركن من الكون الذى كان يقال عنه مجازا وطن عربى أو عالم عربى رغم أن ليس كل سكانه عرب، بل كان ذاك عندما استطاع العرب أن يدمجوا ويندمجوا ويحتضنوا كل الأعراق والأجناس والأديان.
يقول ذاك الباحث فى الأدب ماذا عن النبش فى التراث القديم والبحث عن قصص الحب الجميلة والمعانى الراقية للإنسانية المتمثلة مرة فى المتصوفة وهذا الآخر ينغمس فيه العرب اليوم عندما لا يجدون أى عبارة جميلة ليزينوا بها مواقعهم أو تغريداتهم سوى ما كتب ابن عربى أو العودة إلى متصوفة آخرين غير عرب لاثبات أن بهذا الدين كثير من النور وليس كله أيضا ظلمات وأعلام سوداء وسيوف وتحريم وقتل ومنع روايات وأغانى وعروض غنائية وراقصة!
***
ليس هم بل كثير من نحن أيضا ننبش فى التراث والقديم كلما استيقظنا على صباحات مشبعة بالظلم والفساد والتحريم والقتل ويوميات لا يكثر فيها سوى الفقر.. الفقر بتنوعاته سواء الاقتصادى أم الأخلاقى أم البصرى والجمالى والفنى.. كله فقر فى فقر نحن أصبحنا أكثر فقرا مما نعتقد ليس بمعدلات من هم تحت خط الفقر أو فوقه ولا بتعريف من هو الفقير العربى اليوم، بل وأيضا بالفقر عندما يتوزع على تفاصيل الأيام ويقتل كل الجمال وبعض المتبقى من الفرح..
هناك من هم كما هذا الباحث الهندى الذين ينبشون الكتب والمراجع ويجولون الأوطان من البحر إلى البحر بحثا عن نماذج وصور جديدة مشرقة كتلك التى كانت، أو ربما هم يريدون أن يعرفوا كيف نحن اليوم بعيدا عن قصص ألف ليلة وليلة. لا هم وجدوا ولا نحن قادرون على توفير أى فوز كبير لنجاحات صغيرة جدا إذا ما وجدت، أو سطحية أو هى انعكاسات لاستشراق جديد فبعضنا يكتب روايات مغمسة بالجنس لأن هناك فى أحد مدن النور من يصفق بكثرة لنساءنا المتحررات من الخوف والبوح بل والحديث عن الجنس وحياتهن الخاصة.. فتتحول تلك الروايات الضعيفة جدا إلى نسخ مترجمة للغات متعددة فقط لأن القارئ هناك يبحث عن صور تشبه تلك التى قرأها فى كثير من الكتب القديمة.. هو الجالس هناك الذى عرفنا عبر أفلام هوليوود ربما أو بعض كتب من هنا وهناك لأشخاص مروا من هنا ربما ولكنهم أيضا وحتى هناك لم يلامسوا إلا السطح لم يعرفوا العمق فى مجتمعات أكثر تعيقدا من تبسيطاتهم.
***
ها نحن نسقط من جديد فى فهمنا من خلال الآخر، أو من خلال ما يحبه الآخر فينا، وهو قد لا يكون واقع لنا أصلا بلا هو بأكمله من وحى الخيال الذى كان أكثر خصوبة من خيال الانترنت المسطح أو فهم الشخصيات من خلال «صديقنا» محرك البحث غوغل!.
سيبقى باحثنا وكثير من أصدقائنا طويلا قبل أن يستطيعوا أن يقرأوا منا قصة ترسمنا كما نحن بفقرنا وتخلفنا ربما وظلمنا وكثير من المكابرة والتغنى بأمجاد كانت واكتشافات وبحوث وفتوحات أيضا كما هى ربما فتوحات داعش اليوم! كلهم سينتظرون طويلا قبل أن نخرج نحن أولا من عباءة السقوط فى الاستشراق الداخلى والغربة التى تجعلنا أحيانا موضع سخرية من كثير من الشعوب التى تقدمت رغم ظروفها التاريخية والاقتصادية والاجتماعية وهى فى كثير منها ليست بعيدة عن ما نحن فيه ولكنها استطاعت أن ترسم لها صورة أكثر واقعية دون النظر فى عيون الآخرين ومحاولة ارضائهم أو لقاء استحسانهم لما يريدون أن يرون عليه..
ربما لو استطعنا أن نترك التشبث بالماضى والتغنى به والبعد عن صور مكررة لعبارات الحب التى هى أصل التصوف والنظر إلى ما وصلنا إليه والبحث عن شق فى هذا الجدار العازل بيننا بين العالم بأجمعه.