ليس الخبز وحده

طلعت إسماعيل
طلعت إسماعيل

آخر تحديث: الإثنين 9 أغسطس 2021 - 8:05 م بتوقيت القاهرة

يبدو أن الصحافة لم تعد اللسان المعبر عن قضايا وهموم الناس بالقدر الذى يتوقعه هؤلاء الناس من منابر صحفية وأصحاب أقلام عادة لا يتركون شاردة أو واردة تحتاج المدح والثناء من دون التعليق عليها باستفاضة، لكنهم، للأسف، لا يدخلون فى صلب الموضوعات التى تتطلب قدرا من النقد أو الاختلاف، ويؤثرون السلامة، تجنبا للوم أو عدم الرضا من هذه الجهة أو تلك.
هذه الأمر جعل غالبية قراء الصحف يهجرونها، إلى وسائل الإعلام الجديدة، حيث الساحة أرحب على مواقع «السوشيال ميديا» رغم ما تحفل به صفحاتها من إشاعات وأكاذيب فى أحيان كثيرة، لكنه العقاب الجماهيرى على ترك الصحفيين لأدوارهم فى نقل ما يدور حولهم من أحداث وقضايا على أسس مهنية لا تغفل أن الواقع متعدد الأوجه، متنوع الألوان، ولا يسير فى خط مستقيم باتجاه واحد.
نعم هناك من الأسباب المعروفة، وتلك غير المعلنة، تضغط على الواقع الصحفى، وتحد من تحليقه فى الأفق المطلوب، غير أن هناك من هم ملكيون أكثر من الملك، فتراهم يضبطون أوتارهم على نغمة واحدة رغم ما قد تجلبه تلك النغمة فى النهاية من ضرر، لكن المهم لدى هؤلاء الإيقاع الراقص حتى فى الملمات، ومثل هذه الأصوات البائسة أشد خطرا على مجتمعاتها من الأعداء.
هل من الطبيعى أن يجرى الحديث عن رفع أسعار رغيف الخبز، فتتجاهل عشرات الأقلام فى الصحف القومية والخاصة الاقتراب من الموضوع بالتعليق لتقييم إيجابيات وسلبيات القرار المنتظر اتخاذه؟ وهل من الصحى اكتفاء الصحف بعرض تقارير إخبارية لا تحمل سوى التأييد من نواب وشخصيات لا تعرف طريقها إلى الأفران التى تنتج الرغيف البلدى الذى تعيش عليه ملايين الأسر ممن يستحقون الدعم على بطاقات التموين؟!!
القضية لا تقف عند رغيف الخبز وحده، فالحديث عن رفع الأسعار يعتبره البعض من المحرمات على ما يبدو، فمن قبل توالت الزيادات على فواتير الكهرباء والماء، وأسعار البنزين والسولار، فلا نقد أو تعليق سوى ببضع شذرات هنا أو هناك، وعادة على استحياء، بينما تعم الفوضى أسعار السلع فى أسواق لا يهتم غالبية تجارها إلا بجنى أكبر حصة من الأرباح، من دون أى تقدير للأبعاد الاجتماعية التى تحاول الدولة التخفيف منها بمبادرات وسيارات متنقلة لبيع السلع الأساسية التى يحتاجها الناس.
الصمت على الأنين من ارتفاع أسعار السلع والخدمات، والفواتير المعيشية الأخرى التى تفوق قدرات ملايين المصريين، سيتحمل وزره بعض الصحفيين والإعلاميين ممن اختارهم المجتمع للدفاع عن قضاياه، فإذا بهم يتخلون عن أدوارهم طواعية، طمعا فى مكسب أو مغنم فى بعض الأحيان، أو خشية «وجع الدماغ» فى أحيان أخرى، على الرغم أنه ليس بالخبز وحده يحيا الصحفى.
فى المقاهى والطرقات، فى البيوت والحارات الشعبية، كل ما يشغل الناس هو تدبير لقمة العيش، وضمان الحصول على رغيف الخبز بأقل قدر ممكن من المعاناة اليومية، بعد أن ضاقت الأرزاق فى زمن الوباء، فلماذا لا يجد الحديث عن ارتفاع الأسعار، وسط هؤلاء، مكانا على أوراق الصحف، أو مساحة على شاشات القنوات التليفزيونية على كثرتها؟!
هناك دائما هوامش على المتون يمكن استغلالها، لكن ماذا تفعل مع من يفضلون البقاء بعيدا عن السطور؟ نعم هناك تحديات عدة، وقضايا يكون الخوض فيها محفوف بالمخاطر، لكن الصحفى لا يعدم وسيلة للتعبير عن رأيه فى أصعب الظروف.. حدث هذا فى الماضى، وسيحدث فى المستقبل، شريطة عدم الاستسلام للواقع، فقليل من الملح يضبط الطعام، وقدور الطهى تتطلب التنفيس.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved