مواجهة عودة الاستعمار
علي محمد فخرو
آخر تحديث:
الأربعاء 9 أغسطس 2023 - 8:50 م
بتوقيت القاهرة
لقد ظنت الأجيال السابقة بأن دحر الاستعمار وإخراجه من أوطانها سينهى الحقبة الاستعمارية وسينقل تلك الأوطان إلى رحاب حرية الاستقلال الوطنى والقومى. لكن الاستعمار، وجله تقريبا هو استعمار غربى من قبل أمريكا وبعض دول أوروبا، لا يعرف الخجل من أفعال ماضيه ولا من أفعال حاضره، ولا يعرف لأطماعه وتدخلاته فى شئون الغير وتذكيرهم بتميز وهيمنة حضارة الغرب الكونية الأبدية على حضاراتهم المتخلفة فى كل مجال.. لا يعرف حدودا لأطماعه فى الاستيلاء على كل ذرة من خيرات وثروات الآخرين.
هذه العقلية المتجذرة فى أنظمة حكم ومؤسسات اقتصاد دول الاستعمار هى التى تفسر ما نراه أمامنا، هنا فى بلاد العرب وفى بلدان الآخرين، من مشاهد سياسية وأمنية استخباراتية وعسكرية تذكرنا يوميا بأن حقبة الاستعمار السابقة تعود بصور أقبح وبمخاطر أشد وبتسهيلات داخلية وإقليمية أسهل وأيسر وأقل كلفة.
وإلا فكيف تسمح فرنسا لنفسها أن تغضب وتهدد بالتدخل العسكرى وبشتى أشكال العقاب الاقتصادى والمالى تجاه حدث محلى فى دولة النيجر الأفريقية وهو لا يخصها ولا يقع تحت مسئولياتها القانونية؟. والسبب فى واقعه ليس حبا فى شعب ذلك البلد الفقير المستباح وإنما طمعا فى الاستحواذ الاستغلالى الأبدى لثروات اليورانيوم وغيرها الموجودة فى ذلك البلد.
وإلا أيضا كيف تسمح فرنسا لنفسها بالتصرف فى الشأن السياسى والمالى اللبنانى الداخلى، وكأنها هى التى تحكم وهى التى ما زالت متواجدة فى مستعمراتها القديمة؟
وإلا كيف تسمح أمريكا لنفسها أن تدير الشأن الفلسطينى واليمنى والليبى والسورى والعراقى والسودانى والمصرى والخليجى والمغربى وكأن كل تلك البلدان هى ولايات أمريكية خاضعة لسلطة الحكم فى واشنطن؟ يوميا تعلن بدون خجل الملاحظات والانتقادات والتهديدات، ويوميا ترسل الوفود لتشعر الآخرين بأن حل هذا الموضوع أو ذاك يجب أن يمر من خلال واشنطن أولا وإلا فإنه لن يصل قط إلى أى حل، كما فعلوا مثلا بمباحثات أوسلو الشهيرة حين سرقوا الموضوع الفلسطينى من الأمم المتحدة وأبقوه فى أيديهم الملطخة بظلم شعب فلسطين، وبمصالح اللوبيات الصهيونية المالية فى كل مكان، وبكل ممارسات عرفها الاستعمار طيلة تاريخه.
وإلا أيضا فما دخل أمريكا فى كل أمر داخلى فى كل دول آسيا ودول أمريكا الجنوبية وحتى فى أوروبا حيث تخيط وتبيط وتوجه وتهدد وتعاقب وتتآمر على كل محاولة استقلالية، حتى ولو كانت ديمقراطية؟
تدخل تلك الدول الاستعمارية، مما ذكرنا ومما لم نذكر، ما كان لينجح ويخلق الفوضى فى كل مكان ويهين كل تلك الشعوب لولا وجود الفراغ السياسى والأمنى والاقتصادى الذى سمحت بوجوده أنظمة حكم ضعيفة فى الداخل ومشوشة فى محيطها الإقليمى وغير مشاركة لمجتمعاتها المدنية فى اتخاذ القرارات وفى حمل المسئولية.
كمثال على ذلك ما أصاب الجامعة العربية فى وطن العرب، ومجلس التعاون فى الخليج العربى، والاتحاد المغاربى فى بلدان المغرب العربى ومنظمة التعاون الإسلامى المتفرجة.
لا يعرف الإنسان إن كان رؤساء كل تلك الدول المستباحة يدركون مدى وشدة التأثيرات المدمرة لنفوس وعقول الشعوب، والذى يقودها إلى الشعور بالدونية والعجز، كلما تصحو تلك الشعوب يوميا لترى وتسمع عن تلك التدخلات الاستعمارية بينما تظل الساحات بدون من يرفضون أو يدعون للتكاتف لمواجهة تلك الظاهرة المضحكة المبكية. لكأن الشلل أو اللامبالاة قد أصابا تلك الأنظمة عبر القارات كلها.
لسنا بحاجة لمن يذكرنا بهذه المحاولة المحدودة أو تلك، فذلك لن يكفى ولا يليق بإنسانية شعوب كل تلك البلدان فى هذا العصر البليد المختطف الذى أفرغت كل طاقاته لتنحبس فى ملاعب الرياضة ومهرجانات الغناء المسطح المبتذل والركض وراء الاستهلاك الطفولى النهم وقبول كل أنواع الشذوذ والانحطاط الأخلاقى.
هل من هبات غضب تزيل هذا الغبار الخانق وتحرر الغالبية الساحقة من شعوب العالم من هيمنة قلة أنانية استعمارية لا أخلاقية؟