اختفاء جعفر المصرى
محمود قاسم
آخر تحديث:
الجمعة 9 سبتمبر 2022 - 6:40 م
بتوقيت القاهرة
تمثل حالة المخرج عادل الأعصر المولود عام 1955 ظاهرة تحتاج إلى تفسير من حيث الصعود والاختفاء، فهو صاحب مسيرة فى الإخراج والتأليف والإنتاج بشكل مكثف جدا حيث إنه أخرج فيلمه الأول وهو فى الثلاثين، وتوقفت رحلته عند مجموعة من الأفلام متوسطة القيمة، لكنها تعتمد على مشاركة نجوم السينما فى حقبة بعينها ومنهم «حسين فهمى»، و«نور الشريف»، و«عزت العلاليلى» وغيرهم، وبالنظر إلى أفلامه فهى مسلية لكنها لا تبقى كثيرا بالذاكرة ومنها «صفقة مع امرأة» و«السقوط»، وقد بلغت أهميته أنه قدم المسلسل الأخير فى حياة فاتن حمامة ثم اتجه فيما بعد إلى الدراما التليفزيونية وأفلامه تمر أحيانا فى القنوات، ومن أهم مميزاته أنه لم ينساق إلى الكوميديا التى انتشرت مع أوائل القرن الحالى وكرست وقته للدراما التليفزيونية حتى بدا وكأنه توقف، واليوم يهمنا أن نتعرف على فيلمه «اختفاء جعفر المصرى» 1998 بطولة نجومه المفضلين منهم نور الشريف وحسين فهمى ورغدة، وأهمية هذا الفيلم أنه مأخوذ عن مسرحية «مركب بلا صياد» للكاتب الإسبانى المتميز «إليخاندرو كاسونا» صاحب الأعمال الرائعة ومنها الأشجار تموت واقفة وفى مسرحيته التى نتكلم عنها فإن المؤلف حاول استعادة الفكرة الخالدة حول الرهان الأبدى بين الشيطان وبين مواطن عادى، وبناء على هذا العقد بينهم يسقط الإنسان فى جحيم رغباته ثم يستفيق فيما يسمى بالخلاص ويقف فى مواجهة الشيطان ويتمرد عليه، هذا الإبليس لديه قدرات خارقة أقرب ما يمتلكه المطلق، ففى إمكانه سلب الثروات أو توفيرها ما يكشف ضعف جعفر المصرى الذى خسر كل أمواله فى البورصة فى لحظة، ويقبل عرضا من الشيطان أن يقوم بقتل شخص عن بعد، لا يعرفه وهو زوج مكافح سعيد يتسم الفيلم المصرى بأنه بعيد عن الأجواء الفانتازيا عن مسرحيات فاوست، ويضعنا أمام ما يسمى بالقدرات الخارقة، فالشيطان شخص عصرى أنيق ليست على وجهه ملامح الشر كما أن فاوست هنا رجل أعمال لديه علاقات نسائية عديدة وليس فى حاجة إلى مارجريت التى أنقذته من المحنة بمعاونة الشيطان، وتبقى رحلة جعفر إلى القرية الساحلية فى البحر الأحمر التى كان يسكنها القتيل فيما يشبه رحلة الخلاص التى عاشها أبطال عديدون فى الأدب مثل بطل رواية «البعث»، وفى مكان «كفر» فإن جعفر يعرف أنه قتل شخصا محبا لزوجته مات وهو يركب قاربه للمرة الأولى بعد أن دبر الكثير لشرائه، ويحاول جعفر أن يتقرب للأرملة وأن يعوضها عن خسارتها بالمال والمودة ويقف ضد الشيطان وينتصر عليه كما ينتصر على سالم الصياد الذى يرمى بشباكه حول الأرملة.
هذا هو العالم الذى حرص الأعصر على تقديمه مع بدايات السينما الكوميدية التى سيطرت على أذواق الفنانين والمخرجين والمشاهدين فبدت أعماله غريبة على شباب هذا الجيل الجديد، من الواجب تحية هذا المخرج، مهما كانت قيمته الذى وجد نفسه أمام موجات قد لا تناسبه وأمام مفردات جديدة تقاس بها الأفلام من خلال إيرادات اللمبى وهمام والالمانى وغيرهم.
إذن فهذا المخرج يمثل مرحلة فاصلة فى تاريخ السينما المصرية فهو يلجأ إلى نص مسرحى بالغ الجودة قرأه الكثيرون منا فى سلسلة المسرح العالمى وكان يمكن له أن ينضج أكثر فى أفلامه التالية فقد أخرج هذا الفيلم فى الثالثة والأربعين تقريبا كما أشرنا فإنه استعان بنجوم أصحاب قدرات تمثيلية عالية، وبدت أجواء الفيلم كئيبة حزينة تفتقد إلى الإشراق وللأسف فإن الأعصر كان أشبه بالصياد فى فيلمه حيث غادر المركب فى وقت كان يجب عليه أن يكمل الإبحار.