عن عملية السلام التي تقوضت!

عماد الدين حسين
عماد الدين حسين

آخر تحديث: الثلاثاء 9 سبتمبر 2025 - 8:50 م بتوقيت القاهرة

‎شر البلية ما يضحك.. فعقب العملية النوعية التى أدت إلى مقتل ٧ إسرائيليين وإصابة ١١ آخرين فى القدس العربية المحتلة، أمس الأول، خرج العديد ممن يطلق عليهم محللون إسرائيليون وأمريكيون ليقولوا أسطوانة واحدة، وهى أن هذه العملية سوف تقوض عملية السلام!

‎والسؤال البديهى والمنطقى الذى يفترض أن يطرحه أى  متابع بسيط للأوضاع فى المنطقة بأكملها وليس فقط فى فلسطين هو: وأين هى عملية السلام التى ستتقوض بسبب عملية مفرق راموت فى القدس؟

‎أى نوع هذا من البشر الذى يرى فى عملية تقتل سبعة إسرائيليين إرهابًا سيقوض عملية سلام غير موجودة، فى حين أن احتلال إسرائيل لشعب وسرقة أرضه من ٧٥ عامًا، وقتل ٦٢ ألفًا وإصابة ١٦٢ ألفًا وتدمير معظم قطاع غزة، أمر عادى لا يستحق أن يتوقف عنده أحد؟!

‎قد نفهم سر حالة العمى الموجودة عند بعض المحللين والسياسيين الأمريكيين والإسرائيليين والغربيين، لكن كيف نفهم ذلك حينما يخرج هذا الكلام من ألسنة عربية، صارت نجمة داود تسكن قلوبهم وليس فقط فى عقولهم؟!

‎هؤلاء الذين أصيبوا بعمى فى البصر والبصيرة، يرون القزية فى عين غيرهم، ولا يرون الخشبة فى عيونهم!

‎هل فعلًا هم يصدقون أن هناك عملية سلام حتى تتسبب هذه العملية أو غيرها فى تقويضها؟!

‎أى سلام هذا الذى يتحدث عنه هؤلاء الأفاقون فى حين أن إسرائيل وبدعم أمريكى كامل وسافر وتواطؤ شبه أوروبى، وشبه عجز عربى تقوم بتدمير قطاع غزة على رءوس ساكنيه منذ ٧ أكتوبر قبل الماضى؟

‎هى نسفت ٥٠ برجًا سكنيًا فى يومين فى مدينة غزة يعيش فى كل واحد نحو أربعة آلاف شخص، وجدوا أنفسهم فى لحظة واحدة وقد تحولوا إلى نازحين!

‎هى تدعو علنًا إلى تهجير الفلسطينيين من غزة والضفة، وهى جريمة حرب مكتملة الأركان، لكن الأفاقين والنصابين والقتلة يرون ذلك مجرد أعراض جانبية للصراع.

‎وبعد أن قاربت على إكمال تدمير كل قطاع غزة فقد بدأت تستدير بصورة قوية إلى الضفة الغربية، وتتباهى على لسان قادتها بأنها سوف تتعامل مع مدن وقرى الضفة بالطريقة التى تعاملت بها مع رفح وبيت حانون أى المحو.

‎المحللون القتلة يدركون ويعلمون أن حكومة إسرائيل وقبل عملية القدس صوتت على ضم الضفة الغربية فى قراءة أولية فى الكنيست.

‎وقبل عملية القدس بدأت وبمنهجية محو أى بنية لإقامة الدولة الفلسطينية وأخطر آيات ذلك عملية توسيع مستوطنة معالية أودميم ببناء ٣٥٠٠ وحدة سكنية تفصل القدس عن كل الضفة أو تفصل شمال الضفة عن جنوبها.

‎قبل عملية القدس دمرت إسرائيل العديد من مخيمات اللاجئين فى الضفة، وتواصل تفتيت الضفة وسرقة أراضى ومزارع وبيوت وحيوانات الفلسطينيين، حتى تقضى على أمل للعودة ولتجبر سكانها، أما على الهجرة للخارج أو اليأس والقبول بالعيش كمواطنين درجة ثالثة فى إسرائيل الكبرى.

‎ومع انشغال العالم بالعدوان على غزة، لا يدرك كثيرون أن هناك ٧٠ ألف نازح فى الضفة منذ ٧ أكتوبر.

‎قبل عملية القدس، لم تكن هناك أى عمليات نوعية فلسطينية كبيرة ضد الإسرائيليين، ورغم ذلك فإن كل القوى والأحزاب السياسية الإسرائيلية صوتت بالإجماع أكثر من مرة على رفض قيام أى دولة فلسطينية، ورغم أن السلطة الفلسطينية فى رام الله لا حول لها ولا قوة، وأدانت أكثر من مرة عملية «طوفان الأقصى» فإن المتطرف وزير المالية ورئيس حزب «الصهيونية الدينية» يتسلئيل سموتريتش يطالب بإزالة السلطة الفلسطينية، لأنها لا تعلم الفلسطينيين كيف يحبون إسرائيل، أما زميله ومنافسه  فى التطرف وزير الأمن ورئيس حزب «عظمة يهودية» إيتمار بن غفير، وبدلًا من أى يحفظ الأمن ويطبق القانون فى الضفة، فإنه يقوم بتسليح المستوطنين كى ينكلوا بالفلسطينيين، وبعد الحادث طلب توسيع عملية التسليح لتشمل كل المدنيين الإسرائيليين.

‎هذا هو الواقع، والرئيس الأمريكى ترامب لم يضبط متلبسًا مرة واحدة برؤية الواقع والتعاطف مع الضحايا الفلسطينيين، بل هو يهدد كل يوم بفتح أبواب الجحيم عليهم، فأى وسيط هذا الذى سوف تتقوض وساطته فى عملية سلام لم يرها أحد منذ عقود؟!

‎ما تفعله حكومة الاحتلال والإدارة الأمريكية لا يقود إلا إلى مزيد من التطرف فى المنطقة، فحينما يزداد الظلم، فلن نجد إلا اليائسين، ووقتها علينا ألا نندهش إذا تكررت عملية القدس.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved