العنف الجنسي واغتيال رحمة
صفاء عصام الدين
آخر تحديث:
الخميس 9 أكتوبر 2014 - 12:25 م
بتوقيت القاهرة
بخطوات مرتبكة وخفقات قلب قوية تزداد مع اقترابي لحجرتها، صعدتُ للدور الثالث بمستشفى الشرطة بالعجوزة، لزيارة الطفلة ذات السنوات الثماني التي اغتصبت في إحدى قرى كفر الشيخ.
"رحمة" التي ارتدت بيجامة "بمبي" غطت جسدها المنهك الذي سأم من العمليات الجراحية والآلام التي لا تنتهي إلا بالمسكنات، استقلبتني بابتسامة هادئة تخفي أوجاعها البدنية والنفسية. حدثتني الطفلة بخجل محاولة أن تخفي شقاوة وشغف بالإجابة يطل من عينيها عن المعهد الأزهري الذي تدرس فيه، وعن الشيخ جمال الذي يحفظها وزميلاتها القرآن.
الطفلة صاحبة الكف الصغير تعِد على أصابعها أسماء صديقاتها، اللاتي لم تشاركهن فرحة العيد هذا العام، فأحدهم قرر أن ينال من براءتها وانتهك جسدها، قبل نحو ثلاثة أسابيع في ساعة عصاري أثناء عودتها من حقل والدها لبيتها.
الأم الصامتة التي تجلس على طرف السرير، لم تبدِ رغبة في التحدث مع الصحافة، تخفي بسكوتها آلامها بعدما حدث لطفلتها الصغيرة، فبعد أيام من الانهيار فضلت الصمت وكتم جراحها، ربما تحتاج هي الأخرى لعلاج نفسي، فالجريمة لم تنَل من رحمة فقط، بل امتدت لأطراف الأسرة كلها.
رحمة ليست حالة نادرة تعرضت لاغتصاب وعنف جنسي شديد، أدى لجراح وصلت إلى ثقب في الأمعاء، على يد متهم اعترف أمام النيابة بارتكاب نفس الجرم 15 مرة، فالمجلس القومي للطفولة والأمومة رصد 88 حالة اغتصاب أطفال، خلال الأشهر الست الأولى من 2014.
من هو المجرم الذي وجد هذا البراح لارتكاب جرائمه دون سلطة تتصدى له؟ الإجابة كانت لدى أحد أقارب رحمة، الذي يقطن القرية نفسها.
قال إن الأهالي يتعاملون مع المتهم على أنه مجنون، وسبق وتعدى مرات على سيدات وبنات في القرية، واكتفين بقذفه بالطوب أو يتدخل أحد الرجال لتخليص الأنثى منه، ويلقنه "علقة ساخنه" ثم يتركه بعدها، لم أفهم كيف يتعامل المجتمع الريفي مع هذه الحالة ولا يطلب تدخل الشرطة؟
المجرم الذي عبث بيده في الأجزاء السفلى من جسد رحمة، مزق كل ما في طريقه حتى وصل إلى جدار المعدة، بينما كانت الطفلة فاقدة للوعي، ليس مجنونًا لا يدرك أفعاله، بل يعلم جيدًا ويخطط لجريمته ويصطاد ضحاياه ويترك ذات الأثر عليهن، وظل حرًا لحين تمكن أهل رحمة من الوصول له وتحديد هويته، وبعد القبض عليه تعرفت عليه طفلة أخرى من ضحاياه، سبق واغتصبها بنفس الطريقة.
الطفلة الصغيرة التي مرت بثلاث عمليات جراحية، تحتاج لعلاج بدني ونفسي طويل، وتحتاج دعمًا من أسرة تتطلع هي أيضًا إلى مساندة نفسة، بعدما تحملت الدولة تكلفة العلاج في مستشفى الشرطة.
رحمة التي اصطادها المجرم السادي، لن تنتهي معاناتها باستكمال العلاج البدني والنفسي الذي قد يستمر لسنوات، ولكنها ستكون ضحية أيضًا لمجتمع قريتها الصغيرة، الذي لا يملك سوى عادة وثقافة جلد الإناث.
فبحسب أحد أقاربها "نظرات العار ستلاحقنا طول الوقت، ولابد أن نتخذ خطوة قوية، ترفع رأسها أمام الجميع، مثل طرد عائلته كلها من البلد".
إعدام الغاصب السادي لن يشفي غليل الأسرة التي تتخوف من مستقبل غامض لرحمة، قد يكون كافيًا قانونًيا، لكنه لن يكفي لإسكات المجتمع إلى الأبد.