ألمانيا بين الحرب العالمية الأولى والثانية.. صعود النازية
أحمد عبدربه
آخر تحديث:
السبت 9 أكتوبر 2021 - 9:55 م
بتوقيت القاهرة
كما شرحنا فى مقال الأسبوع الماضى، فإن اتفاقية فرساى قد ركعت ألمانيا بعد هزيمتها فى الحرب العالمية الأولى، وقد كانت من نتائج هذه الخسارة الفادحة سقوط حكم القيصر فى ألمانيا وصعود دولة ديموقراطية قائمة على الدستور والمؤسسات المنتخبة بواسطة الشعب، عُرفت باسم «جمهورية فايمار» نسبة إلى مدينة فايمار التى قامت فيها هذه الجمهورية الوليدة!
رغم انتقال ألمانيا الديموقراطى وانتخاب الرئيس فريدريك إيبرت كأول رئيس للجمهورية عن الحزب الديموقراطى الاجتماعى، إلا أن الظروف الاقتصادية والسياسية لألمانيا لم تساعد إيبرت على تحسين أحوال الألمان فى تلك الفترة! فالتعويضات الفادحة التى طالبت بها الدول المنتصرة ألمانيا كتعويض عن مسئولية الأخيرة خلال الحرب العالمية الأولى، أنهكت الاقتصاد الألمانى الذى شهد ركودا كبيرا وبطالة ساهما فى انهيار كل من الإنتاج الزراعى والصناعي! كذلك ورغم أن اتفاقية فرساى قد نصت على نزع سلاح ألمانيا، إلا أن ذلك على أرض الواقع لم يحدث، ولكن حدث ما هو أسوأ، إذ إن الجيش الألمانى الذى نصت الاتفاقية على تخفيضه إلى ١٠٠ ألف جندى فقط لم يكن وحده يملك هذا السلاح ولكن ظهرت العديد من الميليشيات المسلحة وانتشر العنف السياسى كما تصاعدت مرارة الألمان تجاه الحلفاء بسبب هذا الإفقار والإذلال المتعمد لهم!
بعد وفاة إيبرت فى ١٩٢٥، تم اجراء انتخابات ديموقراطية جاءت برئيس جديد وهو باول هيندنبرج والذى كان قائدا فى الجيش الألمانى خلال الحرب العالمية الأولى. كان تعيين هيندنبرج هو الحل الوسط الذى اتفقت عليه القوى السياسية فى ألمانيا بعد تعسر اختيار رئيس بسبب التجاذب بين الأحزاب اليمينية وتلك اليسارية (الشيوعية)، وقد حاول الرئيس الجديد الخروج من تلك الظروف الصعبة التى مرت بها بلاده منذ هزيمتها فى الحرب، وقد تسنى له بالفعل أن تمكن من إعادة بناء ألمانيا وتحسين أحوالها الاقتصادية بعد أن وقعت ألمانيا على مجموعة اتفاقيات عُرفت باسم «لوكارنو» نسبة إلى المدينة السويسرية التى جرت بها المفاوضات الخاصة بالاتفاقية. وقد ساعدت هذه الاتفاقيات ألمانيا على تحسين علاقاتها مع دول الحلفاء ولاسيما فرنسا وبريطانيا، بالإضافة إلى بلجيكا وإيطاليا، ولعل أهم بنود الاتفاقية هى انسحاب الفرنسيين من الأراضى التى احتلتها من ألمانيا (منطقة الرور) فى ١٩٢٣ عقب تفاقم الأزمة الاقتصادية فى ألمانيا وعجز الأخيرة عن استكمال دفع تعويضات الحرب العالمية الأولى، وكذلك تم الاتفاق على تأكيد ألمانيا على تعيين حدودها الغربية وفقا لاتفاقية فرساى على أن تخضع حدودها الشرقية للتحكيم الدولى لتعينها بشكل دائم فى المستقبل، كذلك فقد نصت الاتفاقية على تعهد ثلاثى بين فرنسا وبلجيكا وألمانيا بعدم مهاجمة إحداهما للأخرى على أن تضمن بريطانيا وإيطاليا هذا التعهد، وفى حالة وقوع اعتداء تقوم الدول الموقعة على المعاهدة بالاتحاد ضد الدولة المعتدية.
•••
عاشت ألمانيا فترة استقرار سياسى واقتصادى بعد توقيع الاتفاقية حتى ضربت الأزمة الاقتصادية الكبرى العالم وتأثرت بها ألمانيا، فعادت الأخيرة إلى سنوات ما قبل ١٩٢٥ حيث تدهورت الزراعة والصناعة وارتفعت البطالة وتميزت البيئة السياسية بالعدوانية والتطرف السياسى للأحزاب، وكلها عوامل ساعدت على وصول هتلر للسلطة فى ١٩٣٣ ولكن كيف حدث ذلك؟
فى ١٩٢٠ ظهر الحزب النازى كناشط قوى فى السياسة الداخلية الألمانية، وقد تكون الحزب من مجموعات يمينية وقومية محافظة تعادى الشيوعية وتمجد القومية وتحاول سحب البساط من الشيوعية فى ألمانيا باستمالة العمال الألمان إلى المفاهيم القومية الممجدة للأمة الألمانية، وليس للمفاهيم الشيوعية الداعمة للثورة العمالية الدولية المفترضة.
عندما عاد الاقتصاد الألمانى للتدهور مرة أخرى فى ١٩٣٠ بدأ الرئيس هيندنبرج فى الابتعاد التدريجى عن الممارسات الديموقراطية وكثر استخدامه لحالة الطوارئ والقوانين الاستثنائية فى البلاد وقد أقنع المقربون الرئيس هيندنبرج أن يقوم بتعيين أدولف هتلر (رئيس الحزب النازى منذ ١٩٢١) كمستشار لألمانيا وكان حزبه النازى يمتلك مقعدين فى الحكومة من أصل عشرة مقاعد.
تشير بعض الدراسات أن هيندنبرج كان مدركا لخطورة هتلر وخطابه السياسى المتطرف منذ البداية، لكنه اعتقد أنه يمكن السيطرة عليه ووضعه تحت إمرة الرئيس، ولكن هتلر لم يضيع الكثير من الوقت حتى تمكن من الانفراد بالسلطة. ففى ليل ٢٧ فبراير ١٩٣٣ وبعد أقل من شهر من وصول هتلر إلى منصب المستشار، اندلع حريق عمدى فى مبنى البرلمان الألمانى والذى اتهم هتلر بسببه الشيوعيين بمحاولة تدمير البلاد وأقنع الرئيس بإصدار مرسوم فورى بتعطيل عدد من مواد الدستور والسماح بتقييد حرية الرأى والتعبير والاجتماع والتنظيم! كما أعطى المرسوم السلطات الحق فى التنصت على المراسلات بجميع أشكالها، كذلك أعطى الحكومة الحق فى تفتيش الملكيات الخاصة وكذلك مصادرتها إذا ما لزم الأمر دون ضرورة استصدار أى أذون قضائية!
لكن لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فهتلر الذى كان يدرك بوضوح فرصته الذهبية لتسيد ألمانيا سعى إلى استصدار تشريع رسمى من البرلمان للاستئثار بالسلطة، ولكن لأن الحزب النازى كان بحاجة إلى حلفاء لتمرير هذا التشريع فقد قام هتلر بتعقب كل الفاعلين فى الحزب الشيوعى وحبسهم، كما قام بعقد اتفاقية شفهية مع حزب الوسط المحافظ بالتعهد بحماية الحزب ومستقبله ومنح الحرية للكنيسة فى ألمانيا (الداعمة للحزب) مقابل مساعدة الحزب له فى تمرير التشريع! وهو ما حدث بالفعل فى ٢٤ مارس من عام ١٩٣٣ حيث تم تمرير التشريع والذى نص فى مواده الخمس على نقل السلطات فعليا من الرئيس والبرلمان إلى الحكومة ممثلة فى مستشارها ــ أى هتلر! فأصبح الأخير قادرا على تنفيذ القانون وإصدار القرارات التى من شأنها الحد من الحريات، بالإضافة إلى تشكيل الحكومة بشكل منفرد! ومن هنا كانت حقبة جديدة فى تاريخ الجمهورية الألمانية، حيث يعتبر المؤرخون هذا التاريخ هو نهاية جمهورية فايمار وبداية العصر النازى، كذلك يعتبر هذا القانون هو نقطة تحول أخرى فى تاريخ السياسة الدولية لأنه كان بداية العد التنازلى لقيام الحرب العالمية الثانية بعد ذلك بنحو ٦ سنوات!
•••
فى يوليو ١٩٣٣ تم إعلان الحزب النازى باعتباره الحزب الشرعى الوحيد بالبلاد ورغم أن الرئيس هيندنبرج قد بقى فى منصبه بلا سلطات حقيقية حتى وفاته ١٩٣٤ فقد كانت الخطوة التالية المتوقعة قطعا هو تنصيب هتلر لنفسه «قائدا» لألمانيا النازية ليستولى بذلك على كل السلطات فى البلاد وتبدأ مرحلة من أكثر المراحل دموية فى التاريخ البشرى نستكمل الحديث عنها فى المقال القادم.
....................................................
ملحوظة: تم الاستناد فى بعض فقرات هذا المقال إلى كتاب «صعود وهبوط الرايخ الثالث» لوليم شيرر فى نسخته الإلكترونية الصادرة عن «روزتا بوكس» عام ٢٠١١ وتحديدا فى فصليه السادس والسابع.
أستاذ مساعد زائر للعلاقات الدولية بجامعة دنفر