التناقض فيما بين صحوة وغفوة
علي محمد فخرو
آخر تحديث:
الأربعاء 9 نوفمبر 2022 - 9:20 م
بتوقيت القاهرة
نعيش الآن عصر التناقضات الحادة فى التعامل مع قضايا العصر الكبرى. وتزداد تلك الظاهرة وضوحا وتألقا فى بلاد العرب. لنأخذ، كمثل، التعامل مع الموضوع الفلسطينى.
فعلى المستوى الدولى يزداد التضامن والتعاطف والتفهم مع الشعب الفلسطينى بسبب ما حل ويحل من محن وظلم ومآسٍ بهذا الشعب من جهة، وبسبب الاكتشاف المتأخر للوجه الحقيقى للعقيدة والأيديولوجية الصهيونية من جهة أخرى.
فذلك الوجه الحقيقى هو ممارسة سياسات الأبارتايد العنصرية بكل أشكالها ضد المدنيات والمدنيين الفلسطينيين العزل، وممارسة التمييز الممنهج فى الحقوق الإنسانية كلها وفى حقوق المواطنة تجاه الشعب الفلسطينى الساكن فى الكيان الصهيونى المحتل عام 1948، والإصرار على يهودية ذلك الكيان مع ما يعنيه ذلك الإصرار من تجاهل تام للعشرين فى المائة من العرب الفلسطينيين، مسلمين ومسيحيين، الساكنين فى فلسطين المحتلة عام 1948، وما سيعنيه من طرد وترحيل لهم إلى دول الجوار، والاستمرار غير المبالى باعتراضات العالم كله فى ضم المزيد من الأراضى للكيان وبناء المزيد من المستوطنات غير الشرعية، والحصار اللاإنسانى المجنون لمليونين من الفلسطينيات والفلسطينيين الساكنين فى غزة، ومشاهدة دماء ودموع القتلى والمسجونين الفلسطينيين ممن يتجرأون بنبل وشهامة على مقاومة الآلة الصهيونية المدمرة الهائلة.
كل ذلك أقنع العالم بأن الادعاءات الغربية والصهيونية بأن الكيان يمثل واحة للديموقراطية فى غابة من الدكتاتوريات العربية، كانت ادعاءات كاذبة. بل وإن العالم أمام كيان غير ديموقراطى يمارس الفاشستية والنازية الهولوكوستية فى أبشع صورها، خصوصا بعد أن شاهد العالم الصعود المذهل للقوى الصهيونية اليمينية العنصرية المتطرفة فى الانتخابات الأخيرة ورجوع قائدهم الذى لا يعترف أصلا بحق أى فلسطينية وفلسطينى بالعودة إلى أرضهم ولا بحقهم فى البقاء حتى بصفة مواطن من الدرجة الثانية تحت الحصار والفقر والمضايقات اليومية.
المجتمع الدولى إذن بدأ بالاستفاقة وبإدراك حجم الجريمة التى ساهم بارتكابها، وباستفاقة ضمير متأخرة. وبدأ الكثيرون، بما فيهم الكثير من أصحاب الضمائر والقيم الإنسانية اليهود، بدأوا يدركون كم أن قوى الصهيونية قد خدعتهم وتلاعبت بعقولهم.
صورة التناقض تتضح وتكتمل عندما نقارن بين تلك الصحوة الدولية الأخلاقية وبين التراجعات الكثيرة فى الموضوع الفلسطينى التى حدثت فى بعض أقطار الوطن العربى، من تطبيع فى العلاقات مع الكيان الصهيونى، وقبولا، ولو غير مقصود، لما مارسه بحق المهاجرات والمهاجرين الفلسطينيين الهائمين على وجوههم وبنهب وطنهم، وبممارسة نظام الأبارتايد الهولوكوستى تجاههم، ومن إمعان فى عقد الاتفاقيات بصورة يومية مع الكيان الصهيونى غير الملتزمة لا بثوابت قومية، ولا بثوابت إسلامية، ولا حتى بثوابت وطنية مما سيقود إلى هيمنة صهيونية كاملة على حقول الأمن والاقتصاد والمال والتعليم والثقافة العربية، وبالتالى تسليم الحياة السياسية بيد القادة الصهاينة مستقبلا.
ولذلك فليس بمستغرب أنه فى الوقت الذى يزداد فيه التضامن الدولى مع الشعب الفلسطينى يخرج علينا مؤتمر القمة العربية فى الجزائر بتلك المجموعة من الشعارات العامة والقرارات الهزيلة تجاه مأساة شعب فلسطين وتجاه مقاومته من جهة وتجاه من خذلوه وتركوه أعزلا ووحيدا من جهة أخرى.
إنه تناقض صارخ معيب يجب أن يعيه شباب وشابات العرب عندما يستمعون إلى أو يقرأون الأكاذيب التى تحاول أن تغطى ذلك الوجه القبيح: وجه ذلك التناقض.
مفكر عربى من البحرين