الجزائر أمام مفترق طرق كبير
مواقع عالمية
آخر تحديث:
الإثنين 9 ديسمبر 2019 - 9:35 م
بتوقيت القاهرة
نشر موقع قنطرة مقالا للكاتب على أنوزلا تناول فيه آخر تطورات الوضع فى الجزائر والتى على مشارف إجراء انتخابات رئاسية، نعرض منه ما يلى:
تعيش الجزائر على وقع أزمة حادّة، تجعلها تقف أمام مفترق طرق كبير، يصعب التنبؤ بمآلات تشعّباته مستقبلا، فمن جانبٍ تصرّ السلطة على إجراء انتخابات رئاسية فى ظل أجواء متوترة لم يسبق أن شهدتها البلاد منذ استقلالها بداية ستينيات القرن الماضى. ومن جانب آخر، تخرج أسبوعيا مظاهراتٌ حاشدة، ومنذ نحو عشرة أشهر، رافضةً الانتخابات والسلطة الحاكمة.
وفى الوقت نفسه، تشهد البلاد محاكماتٍ تاريخيةً غير مسبوقة لأبرز رموز النظام الحاكم، بينهم اثنان من رؤساء الوزراء ووزراء وكبار رجال أعمال، بتُهم خطيرة تتوزع ما بين الفساد وتبديد أموال عمومية وسوء استعمال السلطة. فيما تقبع فى السجن شخصيات كبيرة كانت حتى الأمس القريب تحكم الجزائر، منها شقيق الرئيس الجزائرى المخلوع، عبدالعزيز بوتفليقة، واثنان من كبار ضباط المخابرات والعسكر فى عهده، بعد إدانتهم بتهم ثقيلة تتمثل فى المساس بسلطة الجيش والتآمر ضد سلطة الدولة.
وأمام هذا المشهد، الذى لم يكن متخيلا وقوعه فى الجزائر قبل أشهر فقط، يوجد شارع منتفض رافض كل شىء، ومتوجسٌ من كل شىء، حتى من محاكمات رموز النظام الذى خرجت الجماهير تطالب بإسقاطه. وفى المقابل، توجد سلطة، أو ما تبقى من النظام السابق الذى انتفض ضده الشعب، تقاوم من أجل أن يستمر النظام نفسه، حتى لو ضحّت بأبرز رموزه.
يكاد الوضع فى الجزائر اليوم يكون سورياليا، وقد دخل، منذ أسابيع، إلى نفق مسدود، فالنظام الذى حاول تهدئة الشارع بالتضحية ببعض رموزه غذّى شهية المتظاهرين فى تنحية كل الرموز المتبقية واجتثاثه من جذوره.
ووفق تصور قائد الجيش، والرجل القوى فى البلاد، الفريق قايد صالح، الذى يحاول إنقاذ النظام، فإن جميع مطالب الشارع قد تمت تلبيتها، وبالتالى أصبح عليهم التوجه إلى صناديق الاقتراع لاختيار رئيس جديد.
لكن المحتجين الذين تأخذ حركتهم زخما كبيرا، أسبوعا بعد آخر، لا يرون فى محاكمات رموز النظام سوى تصفيات حساباتٍ بين أجنحته، ويعتبرون الانتخابات مجرّد التفافٍ على مطالبهم، ومحاولة لإدامة النظام نفسه وبرموز تنتمى إليه.
وما جعل المعادلة الجزائرية تبدو، اليوم، صعبة ومعقدة، هو تشبث طرفى الأزمة بمواقفهما، وغياب محاورين جدّيين، فالسلطة التى تريد محاورة الشارع هى نفسها التى خرج المتظاهرون لإسقاطها.
من يتحدث باسم المعارضة فى الجزائر؟
والمتظاهرون، على الرغم من الزخم الذى تعرفه حركتهم، لم ينجحوا فى تنصيب ممثلين جدّيين يحظون بالمصداقية للتفاوض باسمهم، فالسلطة الحالية التى تشكل امتدادا للنظام الذى يريد المتظاهرون إسقاطه ترفض، بشكل قاطع، مطلب الحراك الشعبى، المتمثل فى إبعاد كل رموز النظام السابق عن السلطة، وتفكيك مؤسساته، لتحل محلها أخرى انتقالية تؤسس لجزائر جديدة، وترفض، بشكل قاطع، أى حل آخر غير طريق الانتخابات الرئاسية التى تعتبرها المخرج الوحيد لإنقاذ البلاد من المأزق السياسى الذى توجد فيه.
وفى المقابل، يرفض الحراك الشعبى استمرار رموز «النظام السابق»، المتهم بعقود من الفساد والاحتيال فى تزوير إرادة الناخبين، أن يكون هو من يشرف على الانتخابات التى يقول المتظاهرون إنها ستعيد إنتاج النظام نفسه.
وأمام مفترق الطرق هذا، تتعدّد السيناريوهات، ولكن من الصعب التنبؤ بما سيحدث، حتى فى المستقبل القريب، فحالة عدم اليقين تتفاقم عند الجزائريين، بسبب الجمود فى مواقف السلطة ومطالب المتظاهرين.
وليس المخرج من هذا الوضع سهلا، كما أن مستقبل الاستمرار فيه مرتبط بعدة عوامل غير متوقعة، ولا يمكن التحكّم فيها، مبنية على ردة الفعل وردة الفعل المضادة من كلا الطرفين، الشارع والسلطة، والتى طبعتها حدّة التصعيد طوال العشرة أشهر الماضية، فالسلطة التى راهنت على قصر التعبئة الشعبية نفسها أصبحت ترى أن عامل الوقت لإرهاق الحراك وإضعاف تعبئته لم يؤتِ أكله، ولم يعد يصبّ فى صالحها، لذلك تصر بقوة على المضى فى خيارها تنظيم انتخاباتٍ رئاسيةٍ، حتى لو قاطعها الجميع.
المعادلة الجزائرية صعبة ومعقدة بسبب تشبث طرفى الأزمة بمواقفهما.
وبالنسبة للحراك الشعبى الذى يرفض عناد السلطة، وفى الوقت نفسه، يخشى مواجهتها، يحاول أن يحافظ على تعبئته قوية وسلمية، لكنه عاجز عن إفراز زعامةٍ أو آلية تمثله، للتحاور والتفاوض باسمه.
أما الجيش، المؤسسة الوحيدة التى ما زالت تحافظ على قوتها ووحدتها وتماسكها، وكانت تعتبر دائما الحاكم الفعلى للبلاد، فتجد نفسها أمام اختبارٍ كبير، إما الوقوف إلى جانب الحراك الشعبى، وهو ما قد يشجّعه على مزيد من الرفع فى سقف مطالبه، أو الدخول فى مواجهة معه، لن تكون عواقبها سليمة.
لذلك حرص قائد الجيش، الفريق قايد صالح، منذ بداية الأزمة الجزائرية، على الرقص على الحبلين، واستعمال النبرتين فى الآن نفسه، نبرتا الترغيب والتهديد. ولكن مراقبين قليلين من يرون أن أمامه فرصا أخرى لم يحاول استغلالها، فاستجابته لمطالب الحراك قد تصل إلى المطالبة برأسه هو نفسه، ومواجهة الحراك بقوة تذكّر الجزائريين بأحداث مأساوية لتدخّل الجيش كما حصل عام 1988، عندما تظاهر الجزائريون لإسقاط نظام الحزب الواحد، أو كما حدث عام 1992 فى أثناء وقف الجيش المسلسل الانتخابى بقوة، ما أدخل البلاد فى عشرية سوداء، ما زال الجزائريون يتذكّرون كوابيسها.
وأمام الوضع الحالى، المأزق الجزائرى مرشح للاستمرار كما هو عليه إلى أجل غير مسمى، جرت الانتخابات أو لم تجر. أما نتائجها فلا أحد ينتظرها، لأنها لن تغير الكثير من المعادلة الجزائرية التى كلما طال أمدها تعقّد حلها.
النص الأصلي