الجيل المؤسس للدولة أراد تنفيذ الترانسفير فى غزة

من الصحافة الإسرائيلية
من الصحافة الإسرائيلية

آخر تحديث: الإثنين 9 ديسمبر 2024 - 6:20 م بتوقيت القاهرة

 

«خفض عدد السكان»، «إخلاء المنازل»، «ترحيل»، «طرد»، «نفى»، و«إفراغ المكان»، وحتى «الترانسفير». مجموعة كبيرة من الكلمات التى استخدمها وزراء الحكومة فى نقاشاتهم التاريخية فى الستينيات والسبعينيات بشأن مستقبل الفلسطينيين فى قطاع غزة. تُظهر العودة إلى محاضر الجلسات المحفوظة فى أرشيف الدولة أن الطموحات الحالية لليمين المتطرف إلى تشجيع هجرة الفلسطينيين من قطاع غزة هى صدى لأفكار واقتراحات طرحها للمناقشة فى الماضى رؤساء الحكومات ووزراء وزعماء فى حكومات اليسار، انتموا إلى جيل مؤسسى الدولة.

لم يترك الوزراء فكرة من أجل حل المشكلة التى واجهوها مع احتلال غزة والضفة الغربية فى حرب الأيام الستة [حرب يونيو 1967]. كان يعيش فى هذه المناطق، آنذاك، نحو مليون فلسطينى، بينهم 400 ألف فى غزة. لقد طُرحت أفكار بشأن نقل الفلسطينيين من قطاع غزة إلى الضفة الغربية والأردن وسيناء، وإلى الدول العربية، أو أى مكان آخر فى العالم يقبل استقبالهم طوعًا، ومع كل أنواع الحوافز.

فى 1 أكتوبر 1967، سأل وزير العدل يعقوب شمشون شابيرا [1902-1993] «متى سنحصل على معلومات بشأن إعادة توطين اللاجئين من قطاع غزة فى الضفة الغربية؟ وصلت إلى مسامعى شائعات». فى تلك الفترة، عملت لجنة خاصة اسمها «لجنة تطوير المناطق المحتلة»، كان أعضاؤها شخصيات أمنية وأكاديمية، وكانت مهمتها، بحسب أشكول، فحص «الجانب الاقتصادى والاجتماعى»، ومن بين مهماتها طرح أفكار بشأن الهجرة. لقد فهم أعضاء اللجنة الحساسية السياسية لعملهم، واقترحوا على الحكومة «تجنيد اللاجئين فى مشاريع لم تسلّط الأضواء على أهدافها السياسية» وتقديمها «كمشاريع إنسانية»، وليس كجزء من حل شامل لمشكلة اللاجئين.

استمرت نقاشات الوزراء حتى نهاية السنة. وقال موشيه دايان [1915-1981] فى نوفمبر 1967: «كل موضوع الهجرة يحتاج إلى معالجة جدية ورصينة، وحينها، يمكن تشجيع الهجرة والسماح للكثيرين بالمغادرة». وأضاف أشكول: «فى هذه الأثناء، هناك 2000 شخص يذهبون إلى الأردن أسبوعيًا، جزء كبير منهم من سكان القطاع. وهناك أفكار مختلفة لكى يهاجروا إلى بلاد أبعد». فى نهاية ديسمبر من العام نفسه، تحدث دايان عن اتفاق سلام يتضمن توطين اللاجئين، وإخراجهم من غزة وتوطينهم فى الضفة الشرقية لنهر الأردن. وتعهّد أنه فى مثل هذه الحالة لن يكون فى غزة 400 ألف عربى، بل 70 ألفًا فقط. فى اليوم التالى، قال أشكول: «فى البداية، نحن معنيون بتفريغ غزة. لذلك، يجب السماح للعرب فى غزة بالخروج». وذهب الوزير يغآل آلون أبعد من ذلك وقال: «ليس من السيىء بتاتًا تقليل عدد السكان العرب فى الجليل أيضًا».

فى اليوم الأخير من سنة 1967، كشف أشكول أمام وزرائه: «أعمل على تشكيل وحدة، أو خلية، تعمل على تشجيع العرب على الهجرة من هنا»، وأضاف: «يجب معالجة المسألة بصمت وهدوء وسرية. ويجب أن نبحث عن طريقة لكى يهاجروا إلى دول أُخرى، وليس فقط إلى الأردن». وفعلًا، شهدت تلك الفترة عدة مبادرات ناشطة لتشجيع هجرة الفلسطينيين من غزة، بينها مبادرة بقيادة عادة سيرينى [1905-1997] إحدى المسئولات فى الموساد. وتُظهر وثيقة تعود إلى مايو 1968 طلبًا بتحويل أموال شهريًا من أجل تشجيع الهجرة من قطاع غزة، وبحسب توجيهات السيدة عادة سيرينى. وكانت الفكرة "هجرة صامتة" لا تُتهم إسرائيل بأيّ دور لها فيها. وضمن هذا الإطار، جرى إرسال إسرائيليين لديهم ماضٍ أمنى وممّن عرفوا المجتمع العربى، إلى المراكز السكانية فى غزة من أجل إقناع القيادات هناك بالهجرة الطوعية.

فى نهاية العام، قال أشكول تحديدًا، بسبب الاكتظاظ هناك، ربما سينتقل العرب من القطاع، لكن حتى بعد ذلك، سيبقى عندنا هنا (فى إسرائيل والضفة الغربية) نحو 400 ألف عربى، وسيظل فى غزة 150 ألفًا. والحل الجديد الذى اقترحه كان قاسيًا. ربما إذا لم نزودهم بكميات كافية من الماء، فلن يبقى لديهم خيار آخر لأن حقولهم ستيبس وتصفر. لكن لا يمكننا معرفة ذلك بصورة مسبقة. مَن يعرف؟ ربما تقع حرب أُخرى فى انتظارنا تحل لنا المشكلة. لكن هذا سيكون نوعًا من الترف، ويمكن أن يكون حلًا غير منتظر.

 • • •

فى فبراير 1968، خاف أشكول من أن يظن العالم أننا نضغط على العرب للخروج من البلد. ومع ذلك، قال بروح السخرية التى كان يُعرف بها: «لن نحزن إذا رحلوا»، وانتقل إلى الحديث عن الأرقام: يملك 85% منهم المال الكافى للهجرة. وأعتقد أن أيّ إسرائيلى عاقل سيقول خذوا 80%، الذين نحن متأكدون من أنهم سيرحلون. وزير الأديان، زيراح فرهابتيغ، آنذاك، انضم إلى النقاش وقدم اقتراحاته، ونصح بأن: «المسألة الأساسية، بالنسبة إلينا، يجب أن تكون فى إعطائهم إمكان الخروج من غزة مع مبلغ ما من المال. ويجب أن نسمح لهم بتحقيق مداخيل ليست كبيرة، لكن يجب أن نستثمر مالنا لديهم. فإذا دفعنا ألف دولار على كشك تجارى، بشرط أن يغادروا مع عائلاتهم إلى البرازيل، أو الأرجنتين، فإننى أجد فى ذلك قيمة كبيرة، لا سيما إذا تمكنّا بهذه الطريقة من دفع عشرات الآلاف من العائلات إلى مغادرة غزة. لكنه كان حذرًا فى مصطلحاته: «بدلًا من أن نقول لهم ندفع لكم المال لكى تهاجروا، هذا الكلام غير لطيف وغير صادق.. نقول لهم سندفع لكم نفقات انتقالكم، وندفع أموالًا جيدة، وهذا سيدفعهم إلى الخروج من القطاع، وفى يدهم المال للبدء بحياتهم فى مكان آخر». وأضاف أن: «العائلة التى تهاجر إلى أمريكا الجنوبية، من دون قرش فى جيبها، لن تسارع إلى زرع جذورها فى البلد الجديد، بينما العائلة التى تهاجر، وهى تملك وسائل للعيش فور وصولها إلى البلد الجديد، سيكون من السهل عليها الاندماج فى البلد والبقاء هناك».

 • • •

توفى أشكول فى سنة 1969، واستمر النقاش مع رئيسة الحكومة جولدا مئير. فى سنة 1970، حذّر وزير الدفاع موشيه دايان من المبالغة فى الأرقام، وقال: «إذا اقتربنا من خطة ترحيل 20 ألفًا، فإننا بهذه الطريقة، نعلن الترانسفير، وهو ما سيؤدى إلى إفساد الأمر منذ بدايته.. إذا طلبوا المساعدة منا.. فستكون عملية طويلة وبطيئة، وسيقوم العرب بذلك من خلال التسلل». وزير التنمية حاييم لندوا اقترح فكرة جديدة: «يجب تقديم تعليم مهنى من الدرجة الأولى لهم، ويجب أن يكون مكثفًا، لأن هذا سيفتح إمكان هجرتهم من هنا. أصحاب الاختصاص لديهم فرص أكبر فى الاستيعاب والاندماج فى البلاد الأخرى».

رئيس الأركان حاييم بار ليف [1924- 1994] أثار نقطة ساخنة عندما قال: «من الممنوع انتقال الفلسطينيين إلى أماكن معدّة لاستيطان اليهود» وأضاف: «لدىّ ثقة بأنه فى الإمكان إيجاد أماكن لا تقطع الطريق أمام إقامة مستوطنات يهودية». وأشار دايان: «لا يمكن أن يخطر فى بالنا أن توطينهم يعرقل الطريق أمام الاستيطان اليهودى». وقال وزير السياحة موشيه كول [1911-1989] «إذا أردنا أن نرى قطاع غزة جزءًا من دولة إسرائيل، يجب علينا التخلص من قسم من السكان، وأن ندفع تعويضات أكبر للأشخاص الذين يرغبون فى الانتقال».

فى سنة 1971، تحدث الوزير يسرائيل جاليلى، عن زاوية إشكالية للمسألة، وقال: «لا أوهم نفسى بأننا نقوم بعمل إنسانى وعادل حيالهم. لا يمكننى السكوت عن هذه العملية الوحشية، لكنها الأقل سوءًا فى الظروف الراهنة».

قالت مئير، إن الأمر ليس وحشيًا «من الواضح أننا لن نتمكن من تقليل عدد سكان مخيم جباليا طوعًا. من الأفضل لنا كثيرًا لو يجرى الأمر طوعًا. لكن لا يوجد خيار.. هل فعلًا هو أمر وحشى أن ننقلهم إلى شقة وندفع لهم تعويضات، هل هذا وحشى؟ لا أعرف كيف يمكن القيام بذلك بصورة مريحة. ومع ذلك، لا شك فى أنهم لا يريدون الانتقال.

بعدها، دخلت كلمة الإكراه إلى النقاش، إذ قال وزير الأديان زيراح فيرهانتيغ لمئير: «من الأفضل استخدام الإكراه، ولا بد من استخدام القوة فى وقت الاضطرابات»، وأوضح أنه من الأفضل انتظار تدهور الوضع، أو الحرب، من أجل طرد الناس من منازلهم، لأن إجبارهم الآن على المغادرة والبدء بنقل اللاجئين بالشاحنات يمكن أن يجذب الأنظار إلى البلد، وأعتقد أننا لسنا بحاجة إلى ذلك الآن.

فى نهاية الأمر، غادر بضع عشرات الآلاف من الفلسطينيين قطاع غزة فى تلك السنوات. وأقيمت المستوطنة الأولى فى غزة فى سنة 1970ـ لكن السكان الفلسطينيين فى القطاع، فى أغلبيتهم، بقوا فى أماكنهم. فى سنة 2005، أزيلت المستوطنات من القطاع. وبعد مرور 20 عامًا على ذلك، بدأ وزراء شعبيون من المعسكر الذى ينتمى إليه إيتمار بن غفير بالمطالبة بعودة المستوطنات.

 

عوفر أدرات

هآرتس

مؤسسة الدراسات الفلسطينية

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved