الأنبا بولا والمسيح والسيسى
عماد الدين حسين
آخر تحديث:
السبت 10 يناير 2015 - 7:30 ص
بتوقيت القاهرة
«فجأة كما ظهر الملاك مبشرا بميلاد المسيح، رأينا المسيح داخل الكنيسة يوم ميلاده».
هذا ما قاله الانبا بولا اسقف طنطا وتوابعها ورئيس المجلس الاكليركى للكنيسة الكاثوليكية تعليقا على زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسى للكاتدرائية خلال اقامة قداس عيد الميلاد ليلة الثلاثاء الماضى.
أشعر وأدرك أن نوايا الانبا بولا صادقة وطيبة فى رد فعله ــ هو وكل الاخوة الاقباط ــ على زيارة الرئيس السيسى، لكن الطريق إلى جهنم كما يقولون مفروش بالنوايا الطيبة.
كتبت فى هذا المكان يوم الخميس قائلا إن زيارة الرئيس للكاتدرائية ضربة معلم وسابقة تاريخية سوف تحسب له وتساهم فى مواجهة هجوم المتطرفين فى الجانبين الساعين إلى اثارة الفتنة بين المصريين.
كنت أتمنى أن تقتصر ردود الفعل على الجوانب السياسية والانسانية والاخوية، وليس لتكريس مفاهيم خاطئة نحاول جاهدين التخلص منها.
ما يقوله الانبا بولا وغيره بأنه رأى المسيح فجأة داخل الكنيسة، لا ينبغى أن يتكرر حتى لو كان بحسن نية.
نحن نلوم ليل نهار جماعة الاخوان والسلفيين وسائر انصار تيارات الاسلام السياسى على انها تخلط الدين بالسياسة، وبالتالى علينا أن نرفض هذا الامر ايضا اذا صدر من الكنيسة أو الازهر أو أى مؤسسة دينية.
لا يصح أن نرفع شعار منع المتاجرة بالدين اذا كان هذا الامر ضد الحكومة، ونقبله اذا كان معها.
اذا قبلنا أن يقوم احد المشايخ فى الازهر أو الاوقاف أو الكنيسة بمدح الرئيس أو الحكومة، فعلينا الا نلوم الاخوان أو غيرهم اذا انتقدوا الرئيس بنفس المفهوم الدينى.
حينما يصعد شيخ رسمى أو قس إلى المنبر ويمدح الحكومة ويراها «بتاعة ربنا وزى الفل» فعلينا الا نغضب اذا صعد اخوانى أو سلفى إلى نفس المنبر وانتقدها واعتبرها «خارجة عن الدين والملة».
صحيح أن فصل الدين عن الدولة أو السياسة مستحيل فى الاسلام، لكن «علينا الا نسلم انفسنا للمشايخ والقساوسة» مرة ثانية بنفس المنطق الذى اعتمده مبارك وأوصلنا إلى ان المتطرفين سيطروا على كل شىء من المساجد إلى النقابات ومن الجمعيات الخيرية إلى الشركات التجارية.
حينما تسمح بالمدح على أساس دينى، فإنك لا تستطيع منع النقد على نفس الاساس ايضا.
والاهم من ذلك أن المتطرفين لديهم قدرة اكبر على اقناع البسطاء والشباب بأنهم الافضل والاحسن لاحتكار الدين وتفسيره، وبالتالى علينا أن نحكم على السياسيين والحكومة والرئيس طبقا لاعمالهم الدنيوية وليس لضمائرهم أو معتقداتهم وافكارهم الدينية.
نحن نريد وزراء ومسئولين وحكام يجعلون حياتنا سهلة وميسرة وطبيعية. ولا يخبرونا بمصيرنا يوم القيامة الذى سوف يتحدد بناء على اعمالنا ونوايانا والعلاقة خاصة بين المرء وربه وليس عبر وساطة شيخ أو قسيس أو حاخام.
ما تحتاجه مصر فى المرحلة المقبلة أن تتحول منابر المؤسسات الدينية إلى بث ونشر واشاعة القيم الدينية العامة من عدل وتسامح ورحمة وتواضع وايثار وتقوى وبر دون الدخول فى تفاصيل الصراعات السياسية.
هذه هى مهمة المنابر الدينية، أما الخلافات والمجادلات والمناقشات فمكانها مقرات الاحزاب والنقابات ومؤسسات المجتمع المدنى المختصة وبالطبع وسائل الاعلام.
خناقات وخلافات وصراعات الاديان والعقائد والمذاهب مكانها المؤسسات البحثية المتخصصة جدا وكليات واقسام مختصة بعلم الاديان المقارنة، واذا خرجت للعامة تحولت إلى وصفة عبقرية للحروب الطائفية والدينية.
نتمنى أن تفيق الحكومة وتنتبه إلى أن كل الذين استخرجوا عفريت المؤسسة الدينية لمصلحتهم اكتووا به ولم يستطيعوا اعادته إلى القمم.