تخمة المحللين
خولة مطر
آخر تحديث:
الأحد 10 يناير 2016 - 11:25 م
بتوقيت القاهرة
كنا نقول كذب المنجمون ولو صدقوا خاصة وأنه موسمهم الأكثر إثراء، فالكل يريد أن يستقبل العام بقليل من التباشير سواء بالنسبة للشأن العام وكثيرون غارقون سابحون فى بحارهم الخاصة وتتمحور أحلامهم فى المصالح والمناقع الشخصية.. فتيات وفتيان يبحثون فى انتظار المليون الأول أو العريس أو العروسة.. نساء ورجال لا ينظرون أبعد مما هو حسى بحت وربما فى ذلك لا يستطيع أحد أن يلومهم رغم أن جبران خليل جبران قال قديما «لا تجعل ثيابك أغلى شىء فيك حتى لا تجد نفسك يوما أرخص مما ترتدى». قالها كما قال الكثير ومضى لم يستمع له أحد ربما أو القليلون، وحتى اولئك الذين يتغنون بجبران لا يعرفون معنى ما كتب وعمق فلسفته فى الحياة.
اكتظت المحطات بالمنجمين حتى أصبح الكثير منها ممجوجا ومكررا.. يتفاءل البعض لأن المنجمة الفلانية أو المنجم العلانى قد قال إنه عامها أو عامه وأن هناك الكثير من الخير والنجاح.. تكثر الضوضاء لتطغى بعض الشىء على الفئة الأخرى التى اقتحمت محطات التلفزة ونشرات الأخبار أخيرا وأصبحت جزءا من الوجبة اليومية للمشاهد فى هذه الأوطان الممزقة.
***
إلا أن المنجمين لم يكونوا هم الأكثر حضورا فى المرحلة الأخيرة قبل نهاية العام وبدء اليوم الأول من 2016 بل كثر المحللون السياسيون، وهم طبقة طفحت على السطح موخرا... تعتاش على كثرة القتل والقصف.. كثروا وجلهم من العسكريين المتقاعدين فى الجيوش العربية حتى تلك التى لم تحارب منذ معركة بدر الشهيرة فى صدر الاسلام!!!!
يتوالدون وينتشرون على مساحات الدمار، يقفون عند عتبة أبواب المحطات الفضائية المنحازة أصلا لفصيل أو نظام أو طرف.. يعرفون كيف يفصلون التحليل السياسى والعسكرى على مقاس المحطة والممول. يجلسون أمام الخرائط العريضة يصفون معارك على أرض لم يعرفوها ولم يعرفوا شبيهة لها.. يتحدثون عن معدات عسكرية وتفاصيل فى القتال تبدو أحدث بكثير من أيامهم القديمة بأسلحتهم التقليدية..
***
أما ما يدعو للتساؤل، فهو أين كان كل هؤلاء المحللين العسكريين والسياسيين، ولماذا لم يكن لهم أى دور قبل أن يتحولوا إلى شريحة جديدة من النجوم فى القنوات الفضائية صاحبة «الأجندات» الجاهزة.؟؟
تعرف أنهم ليسوا كذلك وأنت تستمع أحيانا لوصف لأرض تعرف تضاريسها رغم أنك لست عسكريا.. تعرف أكثر مما يمنحك إياه صديقك الدائم وقت العوز «غوغل».. تفتح فمك أحيانا من شدة الدهشة عندما يتحدثون عن بقعة جغرافية تحتضن كثيرا من البشر. تعرف جيدا تفاصيل الأرض حتى الصغيرة منها وعن بشر كنت قد جلست عند وجعهم كثيرا.. ذاك الوجع الذى سلبك النوم والراحة.. ذاك الذى جعلك تكفر بالمسلمات وتعيد رسم الخرائط من جديد..
يغوص ذاك القادم من مكان ما أو كلية ما أو مؤسسة ما وهى فى مجملها تحولت إلى مؤسسات تجارية بحتة عندما تحول التعليم إلى وسيلة لكسب المال على حساب مستقبل وطن !!! يعيد التعريف بالكثير مما لا يعرفه ويعيد المذيع عليه الأسئلة التى تبدو فى بعضها مسيسة حتى آخر حرف فيها.. تراقب ذاك المشهد وكأنها مسرحية هزلية والمدهش أن الكثيرين تنطلى عليهم تلك الخدعة.. مسرحية تناقلتها كل الوسائل، كل يرسم صورة مختلفة لنفس المشهد أو نفس الحدث حتى شحت المعلومة وأصبحت هى الأكثر ندرة عندما كثر المحللون والخبراء حسب الوصف الإعلامى العربى لهم.. من نصب كل هؤلاء ليكونوا خبراء؟؟ لا أحد يعرف ربما السبب الأول والأخير هو سوق العرض والطلب واستعدادهم أن يكونوا جزءا من خريطة ترسم من جديد..
***
طفحت الفضاءات بهم حتى أصيبت بتخمة من المحللين.. أسماء وألقاب أنزلت عليهم بفعل فاعل ما ومورست بحق هذه الشعوب المتحفزة للقفز فى المجهول بأسماء متنوعة ومستعدة لتصديق كل طرف حسب الانتماء والهوية..
كاتبة من البحرين