«علاء الديب».. بوصلة الضمير والنزاهة
إيهاب الملاح
آخر تحديث:
الجمعة 10 فبراير 2017 - 9:50 م
بتوقيت القاهرة
على شرف الكتابة الحلوة، والسيرة العطرة، اجتمع نفر من الكتاب والمثقفين والمحبين، فى ندوة بمعرض الكتاب، قلما يتوافر لها ما يكاد يقترب من الشكل المثالى لأى ندوة أو لقاء فكرى أو ثقافى. الندوة التى نظمتها دار الشروق، واستضافتها قاعة سلامة موسى بمبنى الندوات والمؤتمرات الرئيسية فى معرض الكتاب، لمناقشة رواية «أيام وردية» للكاتب الراحل الكبير علاء الديب، كانت «ممتعة» فوق ما كنت أتصور، وأيضا «منتجة» لأسئلة وأفكار ومراجعات قلما تنتجها ندوة من الندوات التى تحولت فى أغلبها إلى «ثرثرات فارغة» أو «حشو كلام وطق حنك» كما يقول إخواننا فى الصعيد الحبيب.
وسط حضور أغلبه جاء ليستمع ويشارك فى لقاء يتصل باسم الراحل علاء الديب، دارت مناقشة أقل ما توصف به أنها راقية وكاشفة ومفيدة، مناقشة اشترك فيها كاتبان كبيران؛ الناقد القدير محمود عبدالشكور، والكاتب الرائع المشاكس حمدى عبدالرحيم، وكلاهما يشتركان فى محبتهما الغامرة وتقديرهما اللا متناهى لشخص وإبداع علاء الديب.
ولأن الندوة (جاءت قبل أسبوع فقط من حلول الذكرى الأولى لرحيل علاء الديب)، كان موضوعها روايته الأخيرة «أيام وردية» (هى آخر ما كتب من إبداعات روائية وقصصية وصدرت للمرة الأولى فى 2002)، التى أعادت دار الشروق، مشكورة، إصدار طبعة جديدة منها بغلاف أنيق ورائع للفنان وليد طاهر، فكان لابد أولا من إلقاء إطلالة موجزة ومضيئة حول الرواية وموضوعها، ثم عرض تحليل نقدى رصين لها يكشف عن سؤالها الأساس وجمالياتها الفنية التى قد تخفى على غير البصير بأدب وكتابة علاء الديب، وهو ما قام به الناقد محمود عبدالشكور خير قيام وأحسنه، فقدم تحليلا رائعا ووافيا لهذه الرواية القصيرة التى لا يتجاوز عدد صفحاتها 110 صفحات من القطع الصغير.
أما حمدى عبدالرحيم (مع حفظ الألقاب والمقامات) وهو أحد مريدى وتلاميذ وعشاق علاء الديب، فتحدث بمحبة غامرة وحماس مبارك عن بعض سيرة الكاتب الكبير، عبدالرحيم كان من الدائرة المقربة جدا من علاء الديب، لسنوات طويلة وزيارات ولقاءات محبى وأصدقاء الديب لا تنقطع له فى بيته الجميل بالمعادى.
تدفق عبدالرحيم فى حديث رائق ممتع، أثار إعجاب الحضور حقيقة، وكشف جوانب من سيرة إنسان ومثقف وكاتب مختلف حمل هموم أبناء طبقته الاجتماعية وانشغل بآلامهم وأحلامهم، وهو بضعة منهم، وجسد كل هذه الهموم والأسئلة المؤرقة فى إبداعات ستظل باقية وخالدة ما بقى الأدب الجميل والقيمة المتجددة.
ورغم أن حمدى عبدالرحيم قد أفاض فى الجانب السيرى والشخصى لعلاء الديب، وهو ما كان محل رضا وقبول الحاضرين، تماما، فإنه أيضا لم يغفل الحديث عن روايته موضوع المناقشة «أيام وردية» التى «تضغط بجبروت حضورها وبقسوة جمالها وبطغيان مأساتها على قلب بطلها «أمين الألفى» الذى هو اخصائى اجتماعى بمدرسة المنصورة الثانوية، مفكر عربى قديم، مصلح اجتماعى سابق، مترجم وكاتب، ولكنه أساسا مفكر عربى وحيد، كثير الأقنعة، بعد طول ازدواج وظلم صار فقط لحظات مفتتة وماضيا يتوارى من نفسه، صار ملاحا قديما رابضا على الشاطئ مهزوما فى الليل والنهار»، ذلكم هو أمين الألفى الذى كان مؤمنا ثم جاء الخامس من يونيو 1967 ففتت إيمانه وبعثر يقينه».
كما تحدث صاحب هذه السطور أيضا، فقد شرفتُ بإدارة هذا اللقاء الجميل عن كاتب هو مثال حى للنزاهة وبوصلة للضمير والنقاء والكتابة الخالصة غير المشوبة بأغراض أو مصالح. حكيت أننى لم ألتق به مرة واحدة. كنت أُحبه وأهابه، رغم أنه كان حريصا على كسر أى مسافات يمكن أن تفصله عن الناس، عن جمهور عاشق للقراءة، عن كاتب خجول يتعثر فى كلماته، لم ألتق به أبدا، أحبه من بعيد لبعيد، أخبرنى أحد الأصدقاء ذات صباح بأن الأستاذ علاء الديب قرأ ما كتبتُه عن المرحوم جمال الغيطانى وأشاد به وسأل عنى. فرحتُ جدا، ابتسمت، قلتُ فى نفسى «اليوم صرتُ كاتبا». رحمه الله، نبله كان يشمل البعيد والقريب، الكبير والصغير، الخجول والعاشق للشهرة، أسس مدرسة حقيقية فى الكتابة الثقافية، عنوانها «عصير الكتب»، هى بحق «عصير» وخلاصة مقطرة، تقوم على القراءة الواعية المستوعبة، والكتابة السهلة اللماحة الذكية.
حقيقة، كانت هذه الندوة من الندوات التى استمتعتُ بالمشاركة فيها، مناقشة وإدارة، برفقة صديقى العزيزين الناقد المحترم محمود عبدوالكاتب الذى أحبه وأحب ما يكتبه حمدى عبدالرحيم، فضلا عن هذا التجاوب الرائع الجميل من الحضور الكرام خاصة مداخلة الصديق الكاتب والصحفى النابه سيد محمود «رئيس تحرير جريدة القاهرة» وإشاراته الذكية لبعض معالم وملامح تجربة علاء الديب الإبداعية والإنسانية معا. وتبقى الكتابة الحلوة الأصيلة ملهمة دائما لحوارات رائعة ومناقشات ثرية.
ورحم الله الكاتب النزيه وبوصلة الضمير الحر علاء الديب.