الرحمة

محمود عبد المنعم القيسونى
محمود عبد المنعم القيسونى

آخر تحديث: الإثنين 10 فبراير 2025 - 7:20 م بتوقيت القاهرة

لتعليل سبب هذا العنوان، أسجل أننى كنت ضمن أعداد كبيرة من المواطنين المخلصين، والذين خدموا مصر لأكثر من نصف قرن سواء بالمشاركة الفعلية فى الحروب أو من قاموا بمشاريع وطنية ممتازة، أو كبار الأطباء والمهندسين، وكلهم من دافعى الضرائب أى مواطنين مخلصين لهذا الوطن، فقرر معظمنا عندما تقدم بنا السن بتخصيص ما جمعناه من رأسمال، للانتقال من مصر الجديدة ومدينة نصر والمعادى ووسط البلد أوائل القرن الحالى إلى مدينة ٦ أكتوبر، والتى كان تخطيطها وخدماتها تبشر بكل الخير، وهو ما نصبو إليه فى سنين حياتنا المتقدمة.
وفعلًا ما توقعناه أن قامت شركات عملاقة محترمة بتشييد منتجعات رائعة من جميع الأوجه غنية بالمساحات الخضراء، حققت أحلامنا وتمنياتنا، وفى بعض المنتجعات كان هناك اختيار لموقع الوحدات إما داخل تجمع الوحدات وهى بأسعار معقولة، أو على الأطراف المطلة على الشوارع الرئيسية خارج نطاق المنتجع، والمساحات المفروض أن تتحول لحدائق ومساحات خضراء ينتشر بها الشجر، وهى وحدات غالية وهذا متوقع..
ثم حدث ما لم يتخيله أحد منا، فمنذ عشر سنوات زحفت العشوائيات البالغة القبح والقذارة لتحيط بهذه المنتجعات بل تلتصق بها لتجذب القمامة والمتسولين، ويتم بناء المطاعم والقهاوى وورش السيارات والمخابز ومتاجر الشيشة والدخان وكامل النشاطات التى لا يتخيل أحد ترخيصها فى نطاق هذه المنتجعات السكنية، فمن سدّدوا مبالغ مضاعفة لشراء وحداتهم على فسحة من الخضرة والجمال صدموا بنشاطات شعبية ملاصقة لهم. وعلى بعد أمتار مداخن المطاعم وتجمعات القمامة. وعلى كل متر مربع دون مبالغة فعلى الأرصفة بل وعلى أسفلت الطرق وحدائق الوسط تم تثبيت عشرات الأعلام الدعائية لهذه النشاطات وعلى المساحات المواجهة لهذا الاحتقان من المحلات الشعبية.
يتوج كل هذا القبح والعشوائيات كم فلكى وأكرر فلكيًا من الإعلانات العملاقة والصغيرة لكل المنتجات وللأطباء ببوزات مختلفة، وعلى مسافة أمتار من بعضها، ليتعدى عددها عدد أشجار المدينة والتى كانت جميلة ومنظمة، ولتختنق الطرق المؤدية لهذه المنتجعات بكم هائل من السيارات الملاكى والنقل، وما يصاحب ذلك من ضوضاء تصم الآذان وعلى مسافة أمتار من التجمعات السكانية. وبذلك تختفى مظاهر الجمال وأمانينا بحياة هادئة ومريحة فى قطاع المفروض أنه سكنى.
يشاء القدر أن كاتب هذه السطور عمل ثلاثة وثلاثين عامًا فى مجال تراخيص المنشآت السياحية، وكثيرًا ما كانت المحافظات والأحياء ترفض قطعًا منح الموافقات والتراخيص لموقع منشأة سياحية لوجودها فى نطاق تجمعات سكانية، لأن ذلك مخالف للقوانين، لكن الحادث الآن يثبت أن ذات الجهات الحكومية ضربت بالقوانين عرض الحائط.
أتمنى زيارة المسئولين عن تخطيط المدن -إن وجدوا- للمدينة وللتجمعات السكانية على الهضبة الشرقية للمدينة ليشاهدوا بأعينهم كم القبح والاحتقان والقمامة الذى احتل وشوه كل ما هو جميل. ألا يوجد فى مصر مهندسين متخصصين فى تخطيط المدن؟ هل من أجل تنمية الموارد المالية للجهات المعنية يتم التضحية بكل ما يهم ويتمناه المواطنون؟ أخيرًا، هل يعقل تجمع هذا العدد الخرافى المتلاسق من المولات الضخمة على مدخل المدينة؟
أعتذر، لكن ما سجلتُه عاليًا قطرة من الحادث الفعلى، ويوميًا، خصوصًا مساء وحتى بعد منتصف الليل، أسمع غضبًا وحزنًا بل صدمة سكان هذه المنتجعات وشكواهم، لكن للأسف هناك تجاهل كامل ومتعمد لمطالب المواطنين دافعى الضرائب والذين يستحقون أن ترد مصر لهم الجميل وترعى منظومة النطاقات السكانية والمطبقة فى جميع دول العالم.. الرحمة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved