القمة العربية.. والرهان على النفس أولًا

عماد الدين حسين
عماد الدين حسين

آخر تحديث: الإثنين 10 فبراير 2025 - 7:15 م بتوقيت القاهرة

تصريحات الرئيس الأمريكى دونالد ترامب وبجواره رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو عن شراء وامتلاك قطاع غزة والسيطرة عليه وتهجير أهله شديدة الخطورة، وفاقت فى خطورتها حتى وعد بلفور الاستعمارى وأشد كوابيس العرب تشاؤمًا.
لماذا هى خطيرة؟
لأن رئيس أقوى دولة فى العالم، وهو ترامب، يطالب بترحيل ونفى وطرد الشعب الفلسطينى من قطاع غزة، بحجة أنه شعب مظلوم، وينبغى ألا يعيش فى هذا القطاع المدمر، والذى يشبه الجحيم.
فى حين أن الشخص الذى كان يقف بجانبه أى نتنياهو هو الذى قام بتدمير هذا المكان، وتلقى من ترامب التحية على ما فعله فى القطاع وبدلًا من معاقبة القاتل فإن ترامب قرر معاقبة الضحية! ثم ارتفعت درجة الخطورة ليعلن ترامب أنه سوف يستولى على غزة بالقوة لتحويلها إلى مكان مثل الريفيرا الفرنسية.
ترامب قال ويكرر، أنه يريد أن يغادر الفلسطينيون غزة، ولا يعودوا إليها. وعندما قال له أحد الصحفيين: «إلى أين يذهبون.. هذا وطنهم؟!» تجاهله ولم يرد عليه، ثم عاد فى موطن آخر من المؤتمر الصحفى، ليقول إنهم سوف يقيمون فى أماكن أفضل خارج القطاع ثم قال أمس الأول إنه قد يملك دولًا أخرى فى المنطقة لبعض أجزاء القطاع!
كلام ترامب شديد الغموض ويكرره ويغيره كل يوم، ورغم معارضة كل دول المنطقة والعالم فإنه واثق من تنفيذ هذا المخطط، وهو أمر شديد الحيرة لكل المراقبين بمن فيهم داخل إسرائيل نفسها. وقد رأينا رئيس الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية يصف المقترح بأنه سيشعل المنطقة ما دفع رئيس أركانه للتنبيه عليه وعلى أمثاله بعدم الحديث! وداخل الإدارات الأمريكية نفسها اختلاف شديد وحيرة كبرى من مقترح ترامب.
كنا نعتقد أن بلفور هو الشخص الأكثر ظلمًا لحق الفلسطينيين، حينما أعطى باسم بريطانيا الاستعمارية وعدًا، وهو لا يملك لطرف آخر اسمه الحركة الصهيونية غير المستحقة وعدًا بإقامة وطن قومى لليهود فى فلسطين فى 2 نوفمبر عام 1917.
واليوم هل سوف يترحم العرب والفلسطينيون على الرئيس الأمريكى جو بايدن الذى غادر البيت الأبيض قبل أقل من شهر؟!
بايدن قدم لإسرائيل ما لم تحلم به، حينما فتح خزائن بلاده المالية ومخازنها العسكرية، ووفر لها كل أنواع الدعم لسياسى والدبلوماسى من أجل تنفيذ عدوانها على الشعب الفلسطينى منذ 7 أكتوبر 2023 حتى 19 يناير الماضى، حينما تم وقف إطلاق النار مؤقتًا تنفيذًا لاتفاق الهدنة.
الطريقة والمنهج والسلوك الذى يتصرف به ترامب وصل إلى درجة غير مسبوقة فى العلاقات السياسية بين الدول، بل فاق سلوك الدول الاستعمارية فى عز مراحل صعود الاستعمار عالميًا. بايدن كان يقدم كل الدعم الإسرائيلى، لكنه كان يتحدث نظريًا عن حل «الدولتين»، وأوقف مؤقتًا تزويد إسرائيل بالقنابل الخارقة الثقيلة.
هل معنى ذلك أنه كان مؤمنًا بحقوق الفلسطينيين؟!
الإجابة هى: لا، لكنه مختلف مع ترامب فى الدرجة.
لكن علينا نحن العرب ألا نراهن على شخصيات ساكنى البيت الأبيض أو من يتولى رئاسة الحكومة الإسرائيلية. علينا أن نراهن على أنفسنا أولا إذا كنا جادين.
ترامب ليس منتميًا لليمين الدينى المتشدد بل ماهر فى علم وفن الصفقات، والأهم أنه وفىٌّ جدًّا لقاعدته الانتخابية وجزء كبير منها يهودى، وقد سمعنا مايك هاكابى المعين حديثًا سفيرًا لأمريكا فى إسرائيل يتحدث بسفور، قائلًا: «أعتقد أننا سنحقق تغييرًا له أبعاد توراتية فى الشرق الأوسط خلال ولاية ترامب».
الشعب الفلسطينى قدم ملحمة صمود أسطورى طوال فترة العدوان، والذى سيفشل هذه الخطة هو استمرار هذا الصمود أولًا. ثم استمرار الموقف العربى القوى خصوصًا مصر والأردن، والدولتان أعلنتا موقفًا حاسمًا جدًا ضد خطط وأفكار ترامب، وثالثًا أن تدعم الدول العربية الكبرى خصوصًا السعودية هذا الموقف. والرياض سارعت بعد تصريحات ترامب لإصدار بيان واضح يقول إنها لن تقيم علاقات مع إسرائيل إلا فى وجود دولة فلسطينية ثم رأينا الأوهام والأطماع الإسرائيلية فى إقامة دولة فلسطينية فى السعودية.
التطورات الأخيرة صعبة جدًا، وغير مسبوقة فى تاريخ الصراع، والتعامل معها ينبغى أن يكون على مستوى خطورتها.
نتمنى أن تبعث القمة العربية الطارئة يوم 27 الجارى فى القاهرة برسالة واضحة إلى ترامب ونتنياهو، وهى أن العرب جميعًا ضد تهجير الفلسطينيين، والأهم أن تكون الرسالة مصحوبة بخطوات عملية وجادة قابلة للتنفيذ، ويتطلب ذلك حضور كل القادة العرب حتى تكون الرسالة حاسمة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved