حق العمل وهوية الخليج العربى
علي محمد فخرو
آخر تحديث:
الأربعاء 10 مارس 2021 - 8:55 م
بتوقيت القاهرة
لا يحق لأية دولة من دول اليسر البترولى فى الخليج العربى أن تعلل أو تبرر وجود بطالة فيما بين قواها العاملة الوطنية، وعلى الأخص شبابها. فإذا كانت نسبة العمالة الأجنبية فى الكويت تصل إلى 60% والبحرين 50% والسعودية 40% وعمان 30% وترتفع فى قطر إلى 85% وفى الإمارات إلى 95%، فإن ذلك يعنى أن إمكانيات إحلال القوى العاملة الوطنية محل العمالة الآتية من الخارج هى كبيرة للغاية.
أما مبررات الوزارات المعنية المكررة طيلة العقود الماضية بعدم وجود أيادٍ وطنية مدربة أو راغبة فى العمل، وبالتالى اتهامها بالكسل وغيرها من التهم المتخيلة، أو التعلل مؤخرا بالآثار السلبية لجائحة الكورونا على أسواق العمل أو إقحام الخلافات السياسية والمذهبية فى موضوع حق العمل والوظيفة، فلا يمكن قبولها منطقيا ولا أخلاقيا.
ذلك أن إعداد عمالة مدربة وكفؤة هى من مهمات الأجهزة الحكومية المسئولة عن التعليم الأساسى والعالى، وعن خلق مؤسسات تدريب متخصصة، وعن وجود دورات تدريبية ومنشطة، وعن وجود وزارات عمل مسئولة عن عمليات التوظيف الوطنى بكل مستوياتها وأنواعها التنظيمية والقانونية. وما لا يمكن تحقيقه ذاتيا فى الداخل يمكن تحقيقه فى الخارج أو من قبل قوى تدريبية خارجية.
ولا تستطيع تلك الحكومات التعلل بارتفاع كلفة تلك العمليات والأنشطة، ذلك أن فوائض الثروات البترولية كافية وأكثر للقيام بتلك الخدمات، بدلا من استثمارها فى أسواق وسندات ومضاربات الخارج، أو حرق قسم كبير منها فى شراء وتكديس الأسلحة، أو فى استعمالها لدعم جماعات العنف والانتهازية السياسية والعلاقات العامة الفاشلة.
وتستطيع تلك الحكومات أن ترجع إلى أدبيات المحاولات التدريبية والإحلالية الناجحة التى قامت بها جهات حكومية أو جهات قطاع خاص فى بعض بلدان مجلس التعاون، لتقتنع بأنه حيث تتوفر الإرادة السياسية والمشاعر والالتزامات الوطنية المراعية لمصالح الشعوب والأوطان فإن محاولات إعداد الشباب والشابات لأى عمل أو مهام وظيفية ستلاقى ترحيبا حارا وحماسا هائلا من قبل أولئك الشبان والشابات.
هذا عن حقوق المواطنين فى العمل والدخل المعقول والمعيشة التى لا تمس ولا تخدش كرامتهم الإنسانية.
لكن هناك الجانب الثقافى والمحافظة على هويات المجتمعات العروبية التى كتب عنها الكثير، وبالأخص عن الأخطار الكبيرة الكارثية التى ستواجهها هوية الخليج العربى فى المستقبل إن لم تعمل الحكومات على تقليل الاعتماد على العمالة الأجنبية غير العربية، وذلك من خلال توطين العمالة الوطنية المحلية كما بينا، ومن خلال توطين العمالة العربية الشقيقة فى حالة عدم توفر العمالة الوطنية.
ولقد بين الكثيرون من الكتاب، المرة تلو المرة، بأن الأوطان ليست فقط مكان عمل ونشاطا اقتصاديا، وبالتالى فلا يحق لأحد أن يديرها كشركات تحكمها عقلية الأرباح والخسائر المادية ومنافسات التسوق والاستهلاك النهم وعبثيات التفاخر. إن الأوطان تاريخ وثقافات وهويات وآمال ومشاعر وعقائد روحية والتزامات جمعية، تتفاعل فيما بينها لتكون اللبنة الأساسية التى تميز الأمم والأوطان عن بعضها البعض. وهى فى صلب تنشئة الأجيال عبر القرون ولذلك لا يحق لأية جهة حكومية أو قطاع خاص أن تمس أو تتلاعب بهذا الجانب من حياة شعوبها، سواء فى حقول العمالة أو التركيبة السكانية أو التعامل مع الخارج.
ما يجب أن تعيه أنظمة الحكم فى هذه الدول هو أن حقبة ثروات البترول تقترب من نهايتها، وأن مستقبل الطاقة، إنتاجا واستعمالا، فى طريق تغيرات هائلة لا يستطيع أحد التنبؤ بها بعد. وستكون كارثة قومية لعرب الخليج ولأمة العرب لو أن تلك الثروة الهائلة كانت سببا فى ضياع جزء من الوطن العربى أو فى تشوهه الثقافى واللغوى والروحى، بدلا من أن تكون فرصة تاريخية للخروج من حالات الضعف والتخلف والعبث.