الأقنعة

عماد الغزالي
عماد الغزالي

آخر تحديث: الإثنين 10 مايو 2010 - 9:57 ص بتوقيت القاهرة

 كان المسرحى النرويجى «هنريك إبسن» يردد دوما أن طبقة العمال هى الأقرب إلى قلبه من بين جميع طبقات المجتمع، أما معاصروه فرأوا أنه لم يكن أقرب إليه من حافظة نقوده، فهو لم يعر العمال اهتماما ولم يحمل لأفكارهم سوى كل احتقار، أما ماركس الذى نادى دائما بحقوق العمال وسيادة البروليتاريا، فلم يدخل مصنعا فى حياته، وقضى شطرا طويلا من عمره يجمع ملفات عن خصومه السياسيين ويرسلها للأمن، كان لا يؤمن بالله لكنه يؤمن جدا بنفسه ولا يحمل عطفا كثيرا للجنس البشرى، وعرف صاحب العقد الاجتماعى «جان جاك روسو» بأنه زير نساء مازوكى، كان يدعى أن بقلبه متسعا لآلام كل البشر.

لكنه رفض الاعتراف بأبنائه غير الشرعيين وألقى بهم فى ملجأ للأيتام، وفلسف فعلته الشنيعة بأنهم أبناء الدولة، ومثل روسو كان الشاعر «شللى» مثالا لكيفية أن تكون الأفكار قاسية عديمة الرحمة، وعرف المسرحى الألمانى بريخت بأنه صاحب قلب من جليد، كان يلف جسمه بملابس العمال ويضع الطين تحت أظفاره كى يبدو واحدا منهم، فيما حساباته فى بنوك سويسرا تتضخم بفعل تحويلات الحزب الشيوعى، وكان الروائى الأمريكى همنجواى بارعا فى الكذب، شريرا وعنيفا تملؤه الغيرة من نجاحات الآخرين، وبرغم كتابات الفيلسوف الإنجليزى برتراند راسل الكثيرة عن حقوق المرأة، فقد كان فى سلوكه العام يعاملها باحتقار ووحشية، أما فيلسوف الوجودية الفرنسى«سارتر» فقد استغل سيطرته على سيمون دى بوفوار كى تجلب له عشيقات من بين تلميذاتها الصغيرات.

أفاقون، انتهازيون، مخادعون. كانت هذه هى الخلاصة التى انتهى إليها بول جونسون فى كتابه «المثقفون»، والذى استعرض فيه سيرة حياة أكثر من خمسة عشر مفكرا ومبدعا ممن أثروا مسيرة الإنسانية، وترجمه طلعت الشايب منذ 12 عاما، نازعا الأقنعة عن هؤلاء الذين صاغت أفكارهم حياة الناس لأجيال متتالية، كاشفا التناقض بين أفكار المبدع وسلوكه، من خلال مذكراتهم الشخصية وما كتبه معاصروهم ورفاقهم عنهم.

ما الذى جعل هذا الكتاب يقفز إلى ذهنى الآن، لعله التساؤل، عما كان سيقوله جونسون عن مثقفينا ونخبنا، لو أتيح له أن يتابع سيرة حياتهم وتحولاتهم من النقيض إلى النقيض، سواء هؤلاء القابعين فى حجر السلطة، أو المتسربلين بأردية المعارضة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved