خطوة نحو عودة العافية للجامعة العربية
علي محمد فخرو
آخر تحديث:
الأربعاء 10 مايو 2023 - 8:55 م
بتوقيت القاهرة
ها أن الموضوع السورى يخطو خطوة متواضعة وغامضة نحو الحل. ولكن تقييم تلك الخطوة سيخضع لدوامة الخلافات والمماحكات السياسية العبثية العربية المعهودة، ومع ذلك دعنا نحاول النظر إلى أساسيات ما يجرى بموضوعية واتزان.
فأولا، إن الذى يعود إلى مكانه الطبيعى فى الجامعة العربية هو سوريا، شعبا هاما وغاليا من شعوب الأمة العربية، وكيانا جغرافيا مفصليا من كيان الوطن العربى الكبير، ورمزا عروبيا ساطعا فى التاريخ الحضارى العربى وفى قلب النضالات الوطنية والقومية من أجل الاستقلال والحرية والكرامة والتقدم لأمته العربية.
ولذلك فالعودة ليست انتصارا لهذه القوة السياسية السورية أو تلك، ولا هزيمة لتلك الجهة السياسية السورية أو تلك. إنها عودة لهم جميعا، وإنها تصحيح لخطأ مبدئى ارتُكب، إذ لو طبق على الكثير من الأقطار العربية الأخرى لما بقى فى الجامعة العربية إلا القليل القليل.
ثانيا، إن اتخاذ ذلك القرار يبشر بإمكانية عودة العافية للجامعة العربية، إذ انتصرت وجهة نظر الأكثرية التمردية القومية على اعتراضات الأقلية المترددة، وشكل القرار رفضا، ولو متواضعا، للتدخل الاستعمارى الأمريكى والصهيونى الوقح فى الشئون الداخلية العربية.
لكن تلك الخطوة يجب أن لا تتوقف عند تحقق تلك الجوانب الرمزية، بالرغم من أهميتها ووعودها المستقبلية. فالمطلوب أن تقوم الجامعة بخطوات مكملة أخرى، إذا كانت تريد استعادة احترام الشعوب العربية لها ولوظائفها المفصلية فى الحياة العربية كلها.
فأولا يجب على الجامعة العربية اتخاذ قرار بالبدء بكسر الحصار الاقتصادى الجائر على أرض وثروات سوريا وشعبها، سواء كسره من قبل العرب فى الحال أو سواء بمطالبة دول التجمعات الإسلامية والعالم الثالث والمجتمع الدولى لأن لا تنصاع لإملاءات الدولة الاستعمارية الأميركية. إن تلك الخطوة بالغة الأهمية بالنسبة للملايين من الشعب السورى المظلوم. إن الإدخال الأمريكى الجائر للشعب السورى فى جحيم الفقر والجوع والمرض والجهل يجب أن يتوقف فى الحال، خصوصا إذا كنا سنتكلم عن عودة الملايين المهجرين إلى قراهم ومدنهم لبناء حياتهم من جديد، وإذا كنا سنناقش إعادة بناء سوريا الخراب واليباب، وإلى عودة كل شبر من الأرض السورية إلى السيادة الوطنية للقطر السورى المستباح من قبل جهات كثيرة تحت ألف راية وراية ملفقة وباسم شعارات مزيفة كاذبة.
وثانيا، ستحتاج الجامعة إلى أن تعض بأسنانها على موضوع المصالحة الداخلية الوطنية الديموقراطية العادلة، ولا تترك الموضوع إلى أن توصله إلى بر الأمان المعقول. إن ذلك سيحتاج إلى تكوين آلية وجهة عربية تتابع الموضوع وتقرب وجهات النظر ولكن أيضا تحافظ على الثوابت الوطنية والقومية والوحدوية لسوريا العروبة والمقاومة والتاريخ المشهود.
وإذا نجحت فى تحقيق هذه الخطوة الهامة بالنسبة لسوريا، وأبعدت أى تدخل أمريكى كاذب وطامع وغير حقوقى فى الشأن السورى، أو أى تدخل تلاعبى مظهرى خاضع لشتى الضغوط من قبل بعض جهات الأمم المتحدة، فإنها ستعد نفسها لتلعب نفس الدور القومى التصالحى فى ساحات أقطار أخرى من مثل ليبيا والسودان واليمن وتونس والعراق ولبنان وغيرها الكثير.
ليس ما يطالب به الكثيرون من اتخاذ مثل تلك الخطوات الجريئة، وعودة الحيوية إلى الجامعة العربية، وإبعاد التدخلات الأميركية والصهيونية القبيحة المتآمرة على الحياة العربية، ليس ذلك بالأمنيات الخيالية الحالمة، إنها ممكنة التحقق إذا توافرت إرادة سياسية عربية، عروبية الهوى، تضامنية وتوحيدية المنهج، ومستمعة إلى همسات الملايين من أبناء الأمة العربية، وعلى الأخص شبابها وشاباتها.
موضوع عودة سوريا الشقيقة العزيزة ممكن أن يكون منطلقا إلى أبعد من سوريا.. إلى كل جزء من أرض العرب المستباحة المدمرة لتقف فى وجه الخارج الاستعمارى والصهيونى، والإرهاب الجهادى المجنون، وأصحاب المصالح الأنانية فى الداخل، وكل قوى التخلف الحضارى.