جنس المذكر الراسخ فى اللغة
خولة مطر
آخر تحديث:
الأحد 10 يونيو 2018 - 8:55 م
بتوقيت القاهرة
عندنا يتغنى الإعلام الفاقد الدسم بتعيين أى امرأة فى أى منصب كان وحتى أبسط الأمور التى تعد من تفاصيل حياة البشر فى دول العالم، تبدو عندنا وكأنها إنجاز لم يحصل مثله ويطلب من النساء فى أوطاننا المشوهة أن «تسجد» شكرا وتقديرا لما تم منحه إياها.. ويزداد الأمر مع تعيين النساء فى المناصب الوزارية أو أية مناصب أخرى حتى ولو كان التعيين ــ كما هو حال تعيين الذكور فى المناصب الوزارية وغيرها ــ مرتبطا بالانتماءات والولاءات أكثر منه مبنيا على الكفاءة.. دون أن يعنى هذا أن كل امرأة تأخذ منصبا عندنا هى دون المستوى ولكنها السمة الأكثر انتشارا.. وفيما يقوم إعلامنا بتلميع الصور النسوية وأدوار النخبة النسوية، يمر خبر إعلان رئيس الوزراء الإسبانى الجديد بيدرو سانشيز وزارته المكونة من أغلبية نسائية مرور الكرام وكأنه حدث عادى. فيما تعد وزارة سانشيز هى أعلى نسبة مشاركة للنساء فى الوزارات على مر التاريخ الحديث حيث وصلت نسبتهن 64%.
***
ولم يكتفِ رئيس الوزراء الجديد بتعيين إحدى عشرة وزيرة وستة وزراء بل قام بإطلاق مصطلح يعد جديدا فى اللغة الإسبانية ألا وهو «مجلس الوزيرات والوزراء». ما يبدو فى الوهلة الأولى أنه أمر عادى جدا، إلا أن هذا المصطلح أثار الكثيرين حتى قامت الأكاديمية الملكية الإسبانية وهى المؤسسة المسئولة عن اللغة فى إسبانيا، برفض هذا المصطلح على أنه لا يتفق مع قواعد اللغة.. وكان تبرير الأكاديمية أن مثل هكذا مصطلح سيخلق إرباكا وذلك «لأن جنس المذكر راسخ فى اللغة الإسبانية»!!!
وفيما التعيين لهذا العدد من النساء فى الحكومة الإسبانية الجديدة مستند حتما على كفاءتهن وقدراتهن على القيام بالمهمات الوزارية إلا أنه وعلى ما يبدو لا نزال بعيدين جدا عن الاعتراف بأن حتى اللغة منحازة ولذلك فلا يوجد ما يمنع من المراجعة وإعادة النظر فى تأنيث المناصب وغيرها.
***
عندنا وجد البعض فى محاولات التأنيث مادة للسخرية خاصة عندما استطاعت بعض نسائنا دخول البرلمانات فكان أن قيل النائب أو النائبة مما دفع البعض للسخرية من التأنيث!!! كما خرج الكثيرون من علماء اللغة لينكروا أن هناك إمكانية لتأنيث المناصب دون المحاولة لقراءة أكثر عمقا فى ذلك أو حتى الاجتهاد وعلى الرغم أننى لست خبيرة فى هذا المجال إلا أن ما يهم هو شدة المقاومة عندما يبدو الأمر مرتبطا بالنساء فى مجتمعات بقيت لسنوات طويلة محتكرة مناصب صنع القرار للرجال فقط وتاركة النساء لمهماتهن التاريخية التقليدية حتى وبعد أن أصبحت أكبر نسبة تفوق فى المدارس والجامعات هى من نصيب الفتيات وحتى عندما استطاعت العديد من النساء كسر كل الأسقف ربما بكثير من الصبر والمحاولات المتكررة والنضال أيضا.
***
وحتى عندما كسرت نساؤنا كل الحواجز وقفزن فوق الأسوار العالية لمجتمعات تفننت فى بنائها، لم تستطعن إلا أن يبقين أسيرات لبعض الأدوار التقليدية.. فهذا الشهر الفضيل الذى يستفز كل امرأة ببرامج وإعلانات تركز على دورها فى الطبخ وتحضير وجبة الإفطار وكأن الصيام مرتبطا بالإفراط فى الطعام وكأن دورها فى شهر العبادة ــ فيما الرجال يتجهون صوب ربهم ــ هو أن تتجه هى صوب المطبخ ولا تبرحه حتى تسعد أسرتها، أليس هذا دورها فى الحياة مهما فعلت ومهما تعلمت ومهما ساهمت فى اقتصاد أسرتها الصغيرة والكبيرة؟
***
فى الشهر الفضيل تزداد حتى التقسيمات فى الأدوار ويبدو أن الرجال هم الصائمون المتعبون من الصيام لأنهم يعملون ويصومون، وكأن النساء لا يعملن ويصمن أيضا وكأنهن لا يعدن للمنزل ليكملن يوم صيام وعمل شاقين بإضافة مهمات بقيت، رغم كل تحولات مجتمعاتنا الأخرى، كما هى عليه فى تقسيم الأدوار ولم تتغير. وتتساوى فى ذلك النساء فى الريف والنساء فى المدن وحتى فى الدول التى خاضت فيها النساء معارك طويلة من أجل بعض الإنصاف لا المساواة كما يسخر منها الكثيرون حتى ولو كانت على صعيد تقسيم الأدوار والاعتراف بما تقوم به نساء أوطاننا الممزقة من دور أصبح اليوم أساسيا لبقاء بعضها بعد أن مزقته الحروب وتقاسمته العصبيات والمصالح.
***
إنه جنس المذكر الراسخ فى اللغة والعقل ودون نزعه لن نستطيع أن نبنى مجتمعات سوية غير مريضة بكثير من الانفصام المزمن!!!