السفير المستوطن

طلعت إسماعيل
طلعت إسماعيل

آخر تحديث: الإثنين 10 يونيو 2019 - 9:20 م بتوقيت القاهرة

السفير الأمريكى لدى تل أبيب، ديفيد فريدمان، رجل صريح، فهو على عكس الدبلوماسيين الذين يناورون، ويختارون اللف والدوران فى التعبير عن مواقف بلادهم التى قد لا تلقى قبولا لدى الغير، ويعتبرون أن الدوائر الحلزونية هى أقرب الطرق للوصول إلى الهدف، وليس الخط المستقيم، لذلك أعرب بكل بساطة ووضوح، عن مساندة بلاده سياسة الكيان الصهيونى العدوانية تجاه الفلسطينيين.

المدعو فريدمان، من أشد الداعمين للاستيطان، ولا يخفى، كما رئيسه دونالد ترامب، انحيازه السافر لدولة الاحتلال. وبعد اعتراف الإدارة القابعة فى البيت الابيض بالقدس المحتلة عاصمة أبدية لإسرائيل، ونقل سفارة واشنطن إليها، خرج فريدمان قبل أيام ليضيف ورقة جديدة إلى سجل أمريكى متخم بالمواقف الداعمة والمساندة بالباطل لسياسات الاستيطان الاسرائيلية، وقضم وسرقة الأراضى الفلسطينية.

فريدمان اختار فى تصريحات لصحيفة «نيويورك تايمز» التجويد أكثر فى موقفه المنحاز للسياسات الصهيونية، والمزايدة على رئيس الوزراء الإسرائيلى، بنيامين نتنياهو، وعصابته المتطرفة، فى ملف الاستيطان، معلنا أنه من «حق» إسرائيل «المشروع» ضم جزء من أراضى الضفة الغربية.

طبعا الرجل وجد أن التصريح ربما يكون أكبر مقاسا مما يمكن أن يتقبله المجتمع الدولى «الوهمى»، فاستدرك قائلا إن ضم إسرائيل لأرض فى الضفة «أمر مشروع إلى حد ما.. وفى ظل ظروف معينة، أعتقد أن إسرائيل تملك الحق فى المحافظة على جزء منها ولكن على الأغلب ليس كل الضفة الغربية»، وهو تعبير يعنى اليوم الجزء، وغدا الكل بالتأكيد.

وفى ظل انشغال بعض العواصم بالتنسيق مع تل ابيب لمواجهة إيران، كان منطقيا ألا نسمع من يلقم الداعين لسرقة الأراضى الفلسطينية جهارا نهارا، حجرا، واقتصر رد الفعل على الجانب الفسطينى، فاعتبر صائب عريقات أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير أن «سياسة من هذا النوع تعكس تواطؤا أمريكيا مع خطط إسرائيل الاستعمارية».

وزارة الخارجية الفلسطينية بدورها قالت إنها تدرس مقاضاة السفير ديفيد فريدمان أمام المحكمة الجنائية الدولية، لأنه «يشكل خطرا على السلام والأمن فى المنطقة»، ووصفت الوزارة حسب وكالة «وفا» الفلسطينية، فريدمان بأنه «مستوطن بلباس أمريكى رسمى»، فضلا عن أن مواقفه تمثل «امتدادا لسياسة الإدارة الأمريكية المنحازة بشكل كامل للاحتلال وسياساته الاستعمارية التوسعية».

وعلى طريقة توزيع الأدوار، وترك مسافة للمناورة، تزامنت تصريحات فريدمان الداعمة لسرقة إسرائيل المزيد من أراضى الضفة الغربية المحتلة، مع تقديم خمسة أعضاء فى مجلس الشيوخ الأمريكى، ما أسموه مشروع قرار «غير ملزم ــ لاحظ» لإدانة أى خطة إسرائيلية لضم أراض فى الضفة». واعتبر مشروع القرار فى صياغته أن «الضم الأحادى لأجزاء من الضفة الغربية من شأنه أن يعرض آفاق حل الدولتين للخطر، وأن يمس بعلاقة إسرائيل بجيرانها العرب»!!

طبعا كل ما يهم المشرع الأمريكى، بالأساس هو خدمة المصالح الإسرائيلية، وبالتالى فإن مشروع القرار «غير الملزم»، والذى يأتى ذرا للرماد فى عيون العرب، ومحاولة اعطائهم صورة كاذبة عن وجود داعمين لهم فى دوائر صنع القرار الأمريكى، ركز على أن الضم «الأحادى» لأجزاء من الضفة «كخة»، وعلى إسرائيل انتظار الصفقات ذات القرون التى ستجعل ضم الأراضى يتم برضاء الطرف الآخر عبر الراعى الأمريكى.

وللزيادة من الشعر بيتا، فإن تصريحات ديفيد فريدمان التى تعبر عن جوهر السياسة الأمريكية المنحازة لتل أبيب دون قيد أو شرط، باعتبارها الحليف الاسترايجى فى المنطقة، جاءت بعد تصريحات نقلت عن رئيس الوزراء الإسرائيل، فى فبراير الماضى، قال فيها إنه ناقش مع واشنطن خطة يمكن بموجبها ضم المستوطنات، وإن كان البيت الأبيض سارع وقتها بنفى إجراء مثل هذا النوع من المباحثات.

ربما يكون الانحياز الأمريكى أمرا غير جديد، لكن التعبير عنه هذه المرة يدخل فى «صلب الموضوع» عبر السعى الأكثر وضوحا لتصفية القضية الفلسطينية، تحت مرأى ومسمع ممن كانوا يراهنون يوما على الشريك الأمريكى الذى تشكل مواقفه 99 من أوراق اللعب فى الشرق الأوسط!!

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved