أمريكا أيضًا تعانى من الدولة البوليسية
العالم يفكر
آخر تحديث:
السبت 10 أغسطس 2013 - 2:30 م
بتوقيت القاهرة
إعداد/ أيمن طارق أبوالعلا
كتب منذر سليمان مدير مركز الدراسات الأمريكية والعربية تقديرًا لتعامل الولايات المتحدة الأمريكية مع قضية ادوارد سنودن الذى فضح الحكومة التى قامت بالتجسس على معلومات المواطنين الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعى وقامت بالتنصت على محادثاتهم. نشر التقدير تحت عنوان «أمريكا تنكفئ عن مبادئها وتنتصر للدولة البوليسية» على الموقع الإلكترونى للمركز البحثى.
يقول الباحث إن الولايات المتحدة لا تخجل فى حالات الانعطافات السياسية الحادة من أن تتحجج بفزاعة الأمن القومى لتمرير إجراءاتها التى قد تتعارض مع مبادئ الحريات الشخصية المنصوص عليها فى الدستور. ويمكننا أن نرى بوضوح هذا الأمر فى عناد إدارة أوباما حتى الآن فيما يتعلق بفضيحة سنودن وسعى تلك الحكومة الذى لم يتوقف عن محاولة إصباغ هذا الانتهاك بصبغة شرعية.
يوضح الكاتب شراهة وكالة الاستخبارات الأمريكية فى جمع المعلومات فيقول إن ما يشرح هذا النهم هو قول على لسان أحد ضباط الوكالة: «دعنا نجمع كل ما نستطيع إليه الآن ولتطرح الاسئلة لاحقا» فى إشارة إلى أن وكالة الاستخبارات لا تتورع فى انتهاك الدستور وانتهاك حرمة المواطن المقدسة. فقدرة وكالة الاستخبارات فى جمع المعلومات هائلة وهى لا تقتصر على تعقب المراسلات بل وتسجيلها على أقراص صلبة يتم الرجوع لها حين الحاجة.
•••
بالنسبة لوسائل الإعلام الأمريكى فقد كان سلوكها مخزيا، فبدلًا من أن تفضح عملية انتهاك الدستور والحريات، عزفت على نفس نغمة الحكومة التى تتحجج بالأمن القومى. وكان هذا سلوكا غير متوقع من إعلام كان له التألق قديمًا حين وقف بجانب دانيال ألسبيرج، الموظف بوزارة الدفاع الذى قام بتسريب «وثائق البنتاجون» الفاضحة. سعى الإعلام الأمريكى حينها إلى الوقوف بجانب الحقيقة التى تدين وتجرم المسئولين. لكن اليوم الوضع مختلف، والموازين اختلت وأصبح الإعلام الأمريكى يعزف على نفس نغمة الحكومة التى لا تدين المسئولين بل تجرم من سرب الحقائق وفضح الانتهاك مثل ما حدث أولًا مع برادلى مانينيج صاحب وثائق ويكيليكس ثم مع إدوارد سنودن الذى فضح عملية التجسس الأكبر فى التاريخ الحديث.
بل ولعب الإعلام الأمريكى دورًا كبيرًا فى خطة مقاضاة برادلى مانينج عن طريق إدانته المسبقة على خلفية أكاذيب حروب البنتاجون فى أفغانستان والعراق وفضائح البرقيات الدبلوماسية الأمريكية. ونتيجة لذلك تم الحكم بإدانة مانينج فى 15 تهمة تدور حول «تمرير معلومات سرية» لكن لم تتم إدانته فى التهمة الأهم وهى «التعامل مع العدو» والتى سعى إليها المدعى العام والتى كان من الممكن أن تؤدى إلى إعدامه.
•••
عاد بنا الباحث إلى الوراء وتحديدًا إلى عام 1917 حين صدر «قانون مكافحة التجسس» ثم عدل فى بنوده الرئيس الأسبق ريتشارد نيكسون لكى يزيد من حريته فى استخدام هذا السلاح الفتاك ضد التسريبات غير المرغوب فيها مثل تسريب أليسبيرج وتسريبات ووترجيت، ومنذ ذلك الحين تفادى الكونجرس البت فى البنود المعدلة فى القانون.
وليتسنى لنا أن نرى التغير الحادث فى مهنية الإعلام الأمريكى بوضوح وفر لنا الكاتب مقارنة بين واقعة وثائق ألسبيرج ووثائق ويكيليكس التى سربها مانينج. ففى حالة وثائق أليسبيرج كانت جميعها مصنفة تحت بند «سرى للغاية» ومع ذلك وقف الإعلام مع المسرب الذى فضح انتهاك الدستور. بينما فى حالة مانينج فلم تكن الوثائق التى نشرها تندرج تحت بند «سرى للغاية» ومع ذلك كانت نغمة الإعلام تتهمه بإضرار الأمن القومى وتدافع عن منتهكى الدستور. ومن الجدير بالذكر أن الرئيس أوباما خلال ولايتيه استخدم «قانون مكافحة التجسس» لملاحقة 8 أشخاص، وهو رقم يفوق أعداد الذين لوحقوا بهذا القانون فى فترات ولاية الرؤساء الثلاثة الذين سبقوه مجتمعين.
•••
الإدارة الأمريكية تعمدت اصدار أحكام غليظة على مانينج حتى تقطع الطريق أمام من تسول له نفسه انتهاج نفس المسلك، ولكن جهودها لم تفلح حيث ظهر لها سنودن. ومما صعب الأمر على الإدارة الأمريكية أن سنودن قام بتسريب الوثائق إلى صحيفة بريطانية هى صحيفة الجارديان وهو ما عقد مساعى الإدارة الأمريكية لوقف نشر المعلومات، كما أن سنودن غادر أراضى الولايات المتحدة قبل تنفيذ التسريب.
وكان لإصرار الحكومة الأمريكية على توقيع أقصى عقوبة ممكنة على مانينج فى قضية ويكيليكس أثرًا عكسيًا على مساعيها لتسلم سنودن من أى طرف قد يلجأ إليه، وذلك قبل توجهه فى النهاية إلى روسيا. فإصرار المدعى العام على مواجهة مانينج بتهمة «التعامل مع العدو» التى تصل عقوبتها إلى الإعدام جعل فرصة أن تسلم أى دولة سنودن أمرًا صعبًا. فجزء كبير من الدول حول العالم ترفض الأشخاص المتهمين جنائيًا إذا كانوا سيواجهون خطر تطبيق عقوبة الإعدام عليهم.
وعلى أية حال فقد أكدت روسيا رفضها لتسليم سنودن إلى الولايات المتحدة كما أن سنودن كان ذكيا بما يكفى ولم يسرب كل ما لديه من وثائق دفعة واحدة بل أبقى لديه بعض الوثائق التى قد تحرج الإدارة الأمريكية أكثر وأكثر إذا قامت تلك الأخيرة باتخاذ إجراءات متشددة للقبض عليه.