جمعة تحويل المسار
عماد الدين حسين
آخر تحديث:
الأحد 11 سبتمبر 2011 - 9:00 ص
بتوقيت القاهرة
هناك قوى جاهلة وأخرى شريرة تحاول سرقة أجمل ما فى ثورة 25 يناير وتحويلها من ثورة سلمية حضارية إنسانية إلى مجرد هبة عابرة لمجموعة من الرعاع والغوغاء والدهماء.
بعد نجاح الثورة سمعنا قادة العالم يتغزلون فى الشعب المصرى، بل وسمعنا دولا تريد أن تعلم تلاميذها الثورة المصرية فى المناهج الدراسية، وصارت الطريقة المصرية فى الثورة أسلوبا يحتذى حتى لدى «جيران السو» فى إسرائيل!.
الآن ما الذى يمكن أن يقوله العالم عن الثورة المصرية وهو يرى اقتحام مجموعة من المواطنين لسفارة إسرائيل وإلقاءهم أوراق السفارة فى الهواء الطلق ثم محاولة مهاجمة وزارة الداخلية ومديرية أمن الجيزة؟!.
منذ بدء فاعليات جمعة «تصحيح المصار» فى ميدان التحرير، سارت الأمور فى جو مثالى رائع من حيث النظام والالتزام حتى فى ظل غياب الشرطة والتيار الدينى والوفد بل واللجان الشعبية على مداخل الميدان.
فى ميدان التحرير رأيت وسمعت كثيرين يهنئون بعضهم على نجاح الحشد ونتائجه المتوقعة.. وكان السؤال الذى يشغل البعض هو: هل سيلتزم المنظمون بتعهدهم بإخلاء الميدان أم ينتصر المتطرفون الذين يرون فى الاعتصام هدفا وغاية؟!
وعندما وصل نبأ بدء تكسير السور العازل أمام السفارة الإسرائيلية وإنزال العلم الإسرائيلى للمرة الثانية هلل كل الموجودين فى الميدان، لكن المتظاهرين انقسموا عندما علموا بخبر اقتحام السفارة، بعضهم شعر بالفرح باعتبار أن كل ما يضر إسرائيل يسعدهم، وبعضهم شعر بالقلق خوفا مما هو آت.
الطريقة التى تم بها دخول مبنى السفارة سوف ندفع ثمنها من سمعتنا دون أن نحقق شيئا للأسف والمؤكد أن إسرائيل سوف تستغلها لصالحها كالعادة لتحصل على مقابل مثل التملص من دم الشهداء الخمسة فى سيناء.
أزعم أن النتيجة النهائية لما حدث يوم الجمعة الماضى هو تشويه كل ما هو جيد فى هذا اليوم والأيام الماضية.
ثم إن هناك العديد من الألغاز التى تحتاج إلى تفسير خصوصا الضعف الأمنى الشديد أمام السفارة الإسرائيلية، وكيف تم وصول بعض المتظاهرين لداخل السفارة فى حين تم إطلاق النيران على أمثالهم قبل أكثر من شهرين، وأين اختفت الشرطة وهى ترى المتظاهرين أمام السفارة يحاولون اقتحامها لساعات ومن الذى أشعل الحريق داخل وزارة الداخلية؟.
ليس كل ما حدث يوم الجمعة كان بريئا باستثناء رغبة المتظاهرين فى تصحيح مسار الثورة والانطلاق إلى الأمام. كان هناك مندسون، وكان هناك مهيجون وكان هناك متطرفون. لكن المؤكد أن أطرافا أخرى كانت تعلم أنها سوف تستفيد كثيرا إذا تم تأزيم الوضع وجعل الناس يفكرون فى هدف بعيد تماما عما ذهبوا لتحقيقه.
والنتيجة أنه بدءا من الساعة السابعة من مساء الجمعة كانت كل الفضائيات ووسائل الإعلام مشغولة فقط بما يحدث فى محيط السفارة الإسرائيلية.
نسى الناس تماما أن قوى المجتمع المدنى حشدت مظاهرة كبرى طالبت بتصحيح مسار الثورة، وبدلا من الحديث عن أن غياب التيار الدينى لم يؤثر على نجاح الحشد، أو الحديث عن المطالب الجوهرية للمتظاهرين من دستور عصرى وإصلاح للقضاء ومحاربة الفلول، وجدنا أنفسنا جميعا نتحدث عن اتفاقية فيينا التى تلزم كل دولة بحماية السفارات لديها حتى لو كان اسمها إسرائيل!.
ما حدث يوم الجمعة صباحا فى التحرير كان محاولة لتصحيح المسار، لكن ما تم مساء اليوم نفسه كان تحويلا لهذا المسار فى اتجاه آخر. السؤال هو: من الذى استفاد من تحويل المسار؟؟!!.