مقاطعة مؤسسات السينما الإسرائيلية.. صوت العدالة يعلو
خالد محمود
آخر تحديث:
الأربعاء 10 سبتمبر 2025 - 8:45 م
بتوقيت القاهرة
فى خطوة تضامنية تاريخية وغير مسبوقة من حيث الحجم والتأثير، وقّع أكثر من 1300 فنان وعامل فى مجال السينما من مختلف أنحاء العالم على تعهد جديد بمقاطعة مؤسسات السينما الإسرائيلية المتواطئة مع الجرائم التى تُرتكب بحق الشعب الفلسطينى، لا سيّما فى قطاع غزة.
التعهد، الذى تقوده منظمة «عمال السينما من أجل فلسطين» يشكل نقلة نوعية فى الحراك الثقافى الدولى المناهض للفصل العنصرى والإبادة الجماعية، ويؤكد من جديد أن الضمير الفنى العالمى لم يعد قادرًا على تجاهل ما يجرى على الأرض الفلسطينية من مأساة إنسانية وجرائم موثقة من قبل أبرز المنظمات الحقوقية الدولية.
شمل التعهد الموقع حديثًا أسماء معروفة من هوليوود وصناعة السينما العالمية، منهم آفا دوفيرنى، ويورجوس لانثيموس، ومارك روفالو، وتيلدا سوينتون، وأوليفيا كولمان، وخافيير بارديم، وأيو إديبيرى، وريز أحمد، وجوش أوكونور، وجولى كريستى، وريبيكا هول وغيرهم الكثير، إلى جانب مئات الفنيين والمخرجين والكتاب والمنتجين من خلفيات متنوعة.
ويؤكد الموقعون التزامهم بـ«مقاطعة مؤسسات السينما الإسرائيلية المتورطة فى جرائم غزة»، سواء كانت هذه المؤسسات مهرجانات سينمائية أو دور عرض أو شركات إنتاج أو هيئات بث رسمية.
الموقعون لم يكتفوا بالإدانة الرمزية، بل اتخذوا موقفًا عمليًا يتمثل فى الامتناع عن التعاون أو المشاركة فى أى فعالية أو مشروع سينمائى مدعوم أو مرتبط بمؤسسات إسرائيلية رسمية أو شبه رسمية، ما دامت هذه المؤسسات تلعب دورًا فى تبييض جرائم الاحتلال أو تبريرها أو الصمت عنها.
يأتى هذا التعهد فى وقت تعانى فيه غزة من كارثة إنسانية مستمرة، حيث حصدت الحرب أرواح عشرات الآلاف من المدنيين، وتسببت فى دمار هائل للبنية التحتية، وفرضت حصارًا خانقًا على سكان القطاع، الذين يعيشون فى ظروف غير إنسانية.
وتصبح المواقف الفردية والجماعية ذات طابع سياسى وأخلاقى بالغ الأهمية، فالفن، كما يراه الموقعون، لا يمكن أن يكون محايدًا فى وجه الإبادة، وعلى المؤسسات الفنية والثقافية أن تتحمل مسئوليتها الأخلاقية، لا أن تتواطأ بالصمت أو التبرير أو التطبيع.
لقد دأبت بعض مؤسسات السينما الإسرائيلية على استخدام الفن كأداة لتلميع صورة إسرائيل فى الخارج، وغالبًا ما تحصل هذه المشاريع على تمويل رسمى من الحكومة الإسرائيلية، لا سيما وزارة الثقافة، ما يجعلها، كما يقول التعهد، جزءًا من «الآلة الدعائية لدولة تمارس الفصل العنصرى والاستعمار الاستيطانى».
من خلال مهرجاناتها الدولية، وشراكاتها الإعلامية، تسعى هذه المؤسسات إلى إظهار إسرائيل كدولة منفتحة ومتقدمة ثقافيًا، متجاهلة فى الوقت نفسه السياسات القمعية والدموية التى تنفذها بحق الشعب الفلسطينى.
يتقاطع هذا التعهد مع مطالب حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (BDS)، التى تدعو منذ عام 2005 إلى مقاطعة المؤسسات الإسرائيلية، الأكاديمية والثقافية والاقتصادية، حتى تنهى إسرائيل سياساتها العنصرية وتنصاع للقانون الدولى.
إن تعهد الفنانين هذا لا يأتى بمعزل عن هذا السياق، بل يمثل صدى عالميًا متزايدًا لدعوة فلسطينية محقة بمقاطعة أى شكل من أشكال التطبيع مع الاحتلال، خاصة فى مجالات التأثير الثقافى والفنى.
ورغم أن بعض الأصوات تحاول التقليل من قيمة هذه المبادرات، فإن تأثيرها لا يُستهان به، لا على المستوى الرمزى ولا العملى. فحرمان المؤسسات الإسرائيلية من الظهور والتكريم والمشاركة على المنصات الدولية، يضعف قدرتها على تلميع صورة الاحتلال، ويُرسل رسالة قوية بأن العالم لم يعد يشترى هذه الروايات المنمّقة التى تتجاهل الواقع الدموى على الأرض.
كما أن هذه الخطوة تضغط على المهرجانات والمنصات الدولية لمراجعة سياساتها التطبيعية، وتعيد طرح السؤال الجوهرى: هل يمكن الاحتفاء بالفن، بينما تُرتكب جرائم ضد الإنسانية تحت أنقاض بيوت غزة؟ وهل من الممكن فصل الإبداع عن الأخلاق؟
إن توقيع أكثر من 1300 فنان من أنحاء العالم على تعهد بمقاطعة مؤسسات السينما الإسرائيلية، هو خطوة ذات تأثير معنوى وسياسى كبير ..خطوة ضمير ورفض واضح للتطبيع الثقافى، ورسالة مفادها أن الفن لا يمكن أن يكون على الحياد أمام الظلم.
وفى زمن القتل الجماعى والتهجير والاستعمار، يصبح الموقف الفنى موقفًا سياسيًا بامتياز، ولا مجال فيه للتذرع بـ«الحياد» أو «الفصل بين الفن والسياسة».
إنها لحظة اختبار أخلاقى عالمى، ويبدو أن صوت العدالة، هذه المرة، يعلو أكثر فأكثر.