المعضلة الاجتماعية
محمد زهران
آخر تحديث:
السبت 10 أكتوبر 2020 - 8:55 م
بتوقيت القاهرة
عنوان هذا المقال هو ترجمة حرفية لفيلم وثائقي على نتفليكس بعنوان "Social Dilemma". يحكي هذا الفيلم عن التأثير المدمر لمواقع التواصل الاجتماعي التي يتزايد عددها كل عدة أشهر بداية من فيسبوك وتويتر وانستجرام وانتهاء بتيك توك وسنابشات وما شابهها. في هذا المقال نود أن ننظر إلى تلك المواقع والتطبيقات من عدة وجهات نظر: الأفراد والأسرة والحكومات والشركات.
بالطبع كلنا نعلم أن مواقع التواصل الاجتماعي تجعلنا نتواصل مع من لا نراهم إلا نادراً نظراً لبعد المسافة أو قلة الوقت، وتجعلنا نشعر أننا محبوبون عندما تأتي أعياد ميلادنا ونرى جمعاً غفيراً يرسل لنا التهاني، ويجعلنا نشعر بأهميتنا عندما نرى عدداً من الأشخاص يتفاعلون مع ما نضعه من بوستات. هذا كله جميل لكنه لا يحكي القصة كاملة. ستقول لي نحن نعرف ما ستقول من أن وسائل التواصل الاجتماعي تضيع الوقت إلخ. هذا صحيح لكن الموضوع أعمق من ذلك بكثير. لو كان فقط تضييعاً للوقت لكان بعض الالتزام في إدارة الوقت كاف للتعامل مع هذا الأمر. لكن الكثير من الأبحاث (التي لا مجال لذكرها هنا لأننا لا نكتب ورقة علمية الآن ولكن يكفي أن تكتب "الآثار الفادحة لوسائل التواصل الاجتماعي" على أي محرك بحث لكن بالإنجليزية وسترى) تتحدث عن آثار أكثر فداحة. أولاً هي تضعف قدرتك على التفكير المنطقي والمستقل لأنك ستتأثر بالآراء التي تراها في تلك الوسائط خاصة لو أن هناك رأياً منتشراً أكثر من غيره، فمن الممكن أن تؤمن به حتى وإن لم يكن مقنعاً لك في الحالات الطبيعية. ثانياً في الأغلب الأعم يضع الناس أفضل صورهم وأخبارهم على مواقع التواصل مما يجعلك تظن أن حالك أسوأ كثيراً من الآخرين وهذا قد يصيبك بالإحباط وفي الحالات الشديدة بالاكتئاب. ثالثاً هي تقلل من حياتك الاجتماعية والأسرية الحقيقية وستصبح أسيراً للشاشة وهذا قد يؤثر على حياتك أنت فيما بعد وعلى حياة كبار السن في حياتك الذين لا يستسيغون هذه التكنولوجيا ويرغبون في الجلوس والتحدث معك شخصياً وليس عبر الشاشة. رابعاً تلك المواقع تدرس شخصيتك عن طريق برامج تعتمد على الذكاء الاصطناعي وتستطيع التنبؤ بردود أفعالك لذلك ستظهر لك إعلانات تعلم الشركة مسبقاً أنها ستروق لك، فراقب محفظتك جيداً وأنت تتصفح تلك المواقع. خامساً بعد مدة ستتحول تلك المواقع إلى إدمان يشبه إلى حد كبير الإدمان الحقيقي وانتظار اللذة من شيء ضار وهذا شيء في منتهى الخطورة.
هذا طبعاً يؤثر على نواة المجتمع وهي الأسرة حينما يصبح كل شخص من تلك الأسرة مدفون أمام شاشته ولا يهمه شيئاً أكثر من عدد اللايكات والتفاعل مع ما يكتبه، هذا في حالته القصوى يكون إيذاناً بتفكك المجتمع وزيادة الشعور بالوحدة وعدم الأمان وبالتالي تفشي الأمراض النفسية وحالات الانتحار. بالإضافة إلى تلك المأساة فان تلك المشكلة المجتمعية تؤثر على الدولة ككل لأنها تؤثر على القوة العاملة وكفاءتها، وهذه إحدى أسباب اهتمام الحكومات بتلك الوسائط.
حكومات الدول تهتم بمواقع التواصل الاجتماعي لعدة أسباب. منها معرفة رأي الشعب والشعوب الأخرى في موضوع ما. فمثلاً في أمريكا هناك وسائل تدرس آراء الناس على تويتر وفيسبوك حول المناظرة الرئاسية بين ترامب وبايدن وبين نواب الرؤساء بنس وهاريس. هذه الوسائل تسمى (predictive analytics) أو "التحليلات التنبؤية" وهي إحدى وسائل الذكاء الاصطناعي. الحكومات أيضاً تهتم بالتأثير في شعوبها عن طريق نشر إعلانات معينة أو بوستات معينة، وعلى الناحية الأخرى تستخدم تلك الوسائل في التأثير سلباً في شعوب دول أخرى في حرب ميدانها الفضاء السيبراني وليست فضيحة فيسبوك مع كمبردج أناليتيكا منا ببعيد. هذا يضع سبباً رابعاً للحكومات للاهتمام بتلك الوسائط وهو حماية شعوبها من هجمات الحكومات الأخرى.
كل ما سبق هو تحليلات اجتماعية، لكن ما هو أعمق يتعلق بالتكنولوجيا والاقتصاد أي بالشركات. انتشرت جداً مقولة "إذا لم تدفع ثمن السلعة فستكون أنت السلعة" وأنت لا تدفع ثمن استخدامك لمواقع التواصل الاجتماعي. كيف تحصل شركات التواصل الاجتماعي على النقود؟ هي لا تبيع معلوماتك بل تبيع "اهتمامك". عندما تريد شركة ما الإعلان عن منتجها عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي فهي تدفع أموالاً كي تضمن لها شركات التواصل أنك ستهتم بهذا الإعلان, لكي تضمن شركات التواصل الاجتماعي ذلك يجب أن تجمع عنك كل المعلومات اللازمة كي تتنبأ بردود أفعلاك مثل تعليقاتك ولايكاتك وكم توقفت أما كل بوست وكل صورة وكلما تواصلت مواقع التواصل مع بعضها كلما كانت المعلومات عنك أكمل، فمثلاً الصور التي تضعها على انستاجرام أو الفيديوهات على تيك توك وتفاعلك على فيسبوك كلها تساعد برامج الذكاء الاصطناعي على بناء نموذج رقمي لك يتصرف كأنه أنت، وهذه قصة طويلة ومثيرة ومخيفة ولنا معها وقفة في مقال آخر.
لن نستطيع التخلص من تلك المواقع والتطبيقات ولا نريد ذلك ولكن يجب الانتباه لأخطارها حتى نحاول تفاديها. ذلك لن يتم بقوة الإرادة وحدها وإلا ستكون مثل من يحاول إنقاص وزنه بقوة الإرادة التي تلزمه بالريجيم ويفشل. يجب تكاتف الأفراد والعائلات والحكومات والشركات من أجل ذلك. ما رأيك أن تشاهد الفيلم الوثائقي "Social Dilemma"؟