المغرب ــ تونس هل ما زالت فسحة من الأمل؟
صحافة عربية
آخر تحديث:
الأحد 10 أكتوبر 2021 - 8:00 م
بتوقيت القاهرة
نشرت صحيفة المغرب التونسية مقالا للكاتبة آمال قرامى ترى فيه أن غياب النظام والمعايير والثوابت جعلت المواطن غير قادر على اتخاذ موقف سياسى واضح.. نعرض منه ما يلى.
من التقاليد المعمول بها سابقا، مساءلة الحكومة بعد مرور 100 يوم من العمل، ومساءلة مجلس الشعب، ومساءلة اللجان.. وهى تقاليد ترنو إلى تحفيز السياسيين على احترام الوعود وتثمين الزمن وإضفاء قيمة على العمل وتحقيق الإنجازات، فضلا عن توضيح الصعوبات والعقبات التى أخّرت مسار التنفيذ، والمسائل، إذ يوجّه الاستفسارات وينتقد ويعبّر عن استيائه أو استغرابه ويحاول أن يفهم ويحلّل ويستخلص الاستنتاجات التى تساعده على تقييم أداء من فوّض لهم مسئولية الحكم والسهر على المصلحة العامّة، كما أنّه يريد أن يثبت أنّه طرف فاعل لا سلبى، ومواطن نشط وملتزم ومسئول. فهل يجوز لنا اليوم أن نستمرّ على نفس المنوال الذى ألفناه فنُسائل عموم التونسيين/ات عن تقييمهم للوضع «الاستثنائي»؟ وهل يعتقدون أنّ هذه الطريقة فى إدارة البلاد تستند إلى رؤية واضحة؟ وهل تحمل فى طياتها مسارا إصلاحيا جذريّا؟ وما هى انعكاسات تحويل وجهة نظام الحكم على حيواتهم؟
ولئن حالت «محدودية» صلاحيات الرئيس سابقا دون مساءلته فإنّ امتلاك الرئيس «سعيّد» اليوم كلّ الصلاحيات وأوّلها سلطة اتّخاذ القرارات يجعله فى موضع المساءلة. فمتى يفارق منطقة الغموض والتكتم واللبس و... ويفصح عن خطته ورؤيته لبنية العلاقات بين مختلف السلط والأحزاب والمنظمات ويكشف عن نظرته إلى الواقع وفهمه للأزمات وطرائق التغيير والإمكانات المتاحة...؟ ومتى يكفّ عن مسرحة الفعل السياسى دراميا: المعارك اللا متناهية والصراعات التى تجعل الأخيار فى مواجهة الأشرار، وتصنع البطل الخارق للعادة الذى يطلق «الصواريخ» فيدمّر الأعداء و«يخرجهم من التاريخ»؟
لاشكّ عندنا أنّ التونسي/ة يجد نفسه اليوم، فى موقف لا يحسد عليه إذ إنّه بات غير قادر على اتّخاذ مواقف واضحة من الشخصيات والأحداث والأزمات وغيرها بل هو عاجز عن الإعلان عن تموقعه لأنّه ببساطة كالريشة تتلاعب به العواصف. فمرّة يكون مهلّلا مستبشرا برياح التغيير التى هبّت ذات 25 يوليو مزهوّا بهذا الحدث الجلل ومقتنعا بأنّ الغد سيكون أفضل ومرّة يكون ساخطا ومستغربا وغاضبا بسبب ما يعاينه من اعتداءات على الحريات وإجراءات مخالفة للمعهود وارتفاع للأسعار غير مسبوق وميزانية تخرج عن التوصيف. ومرّة يكون مؤمنا بالديمقراطية وما قامت عليه من مبادئ ومستمسكا بعرى المنظومة الحقوقية ومرّة يكون ناقما على الديمقراطية التى فرضتها عليها الدول الأجنبية «الله لا تربحها» ومقتنعا بأنّ حال البلاد لن يصلح إلاّ بـ«قبضة عمر بن الخطاب»، وأنّنا أمم لا تعمل ولا تنضبط إلاّ تحت السياط.
وليس تموقع التونسي/ة فى منزلة بينيّة (بين بين) بل هو متقلّب الأحوال: النقيض ونقيضه فى الآن نفسه فهو ضدّ سعيّد ومع سعيّد، وهو مع الحقوق والحريات ولكنّه يريد استئصال الأعداء.. وهو مع عبير موسى وضدّها لا يكاد يستقرّ على حال. وهو أمر راجع فى تقديرنا إلى ضياع المحددات و«معالم الطريق» والمعايير والإطار العام الذى ينصهر فيه الفرد فضلا عن غياب نظام مستقّر يسمح له بتبيّن الحدود والمعايير والثوابت ويوفّر له مناخا ملائما يمكنّه من اختيار البوصلة التى قد تهديه وتنير دربه فيتبصّر. ويُضاف إلى كلّ ذلك مناخ يزداد فيه منسوب العنف ارتفاعا وينتشر فيه خطاب الكراهية وثقافة التباغض.. ولا نحسب أنّ هذا المناخ العامّ سيؤهل التونسيين/ات للتعبير عن مواقفهم واقتراح البدائل، فالمصدوم والراغب فى الاستقرار والسكينة والباحث عن معنى والساعى إلى تفكيك ما يجرى من حوله دون جدوى كلّ هؤلاء مرهقون يتنازلون برضاهم عن التفكير والنشاطية ويروضون أنفسهم ويطوعون أجسادهم لأنظمة الضبط.
إنّ مناخا «سياسيا» سمته «العصف والقصف» بالصواريخ وغايته قطع «رءوس قد أينعت وآن أوان قطافها» مناخ ينسف «الثقافة التنظيمية» بما هى مؤشرات تساعد الفرد على التخطيط والتوقع والتحمّل.. ولا يمكن أن يساعد المرء على العمل والبناء ولا أن يحفّزه على الابتكار والإبداع والتحرّر والانتشاء بإمكانية الحلم. فهل مازالت هناك «فسحة أمل»؟