الجامعات الأهلية قاطرات التنمية.. ولكن
معتمر أمين
آخر تحديث:
الثلاثاء 10 نوفمبر 2020 - 8:00 م
بتوقيت القاهرة
من الجيد جدا أن يكون لدينا جامعة لكل مليون مواطن، بشرط أن يكون لدينا العدد المؤهل من أعضاء هيئة التدريس لهذه الجامعات فى مختلف التخصصات. هذا وتجربة الجامعات الأهلية هذا العام تصلح كنموذج لدراسة التوسع فى برنامج إنشاء الجامعات. فالمطلوب ليس فقط فتح الجامعات بدون التيقن من جودة المحتوى. ومن جانب آخر، علينا أن نسأل، ماذا سيحدث للجامعات الحكومية التى تعتبر أكبر مصدر لأعضاء هيئة التدريس. فلا يوجد وجه للمقارنة بين دخل أعضاء هيئة التدريس فى الجامعات الحكومية بالمقارنة بالجامعات الخاصة أو الأهلية. مما يعنى أن حالة الاستقطاب ويليها الاستنزاف ستسير بسرعة مكوكية مع كل جامعة أهلية جديدة. ولحسن الحظ، التوزيع الجغرافى للجامعات الجديدة يحول دون نمو هذه الظاهرة بشكل سريع. لكن من المتوقع أن تغذى كل جامعة حكومية إقليمية ما حولها من الجامعات. فتجد مثلا جامعة الإسكندرية تغذى جامعة العلمين، وجامعة قناة السويس للجلالة وهكذا.
بناء على هذا المعيار تبدأ عملية المتابعة للتجربة، قبل تدشين خمس عشر جامعة أهلية جديدة، بغرض استخلاص الدروس قبل التوسع والركض فى اتجاه يؤثر على جودة التعليم بصورة عامة. علما بأن جودة التعليم المتاح فى الجامعات الحكومية ليس متدنيا كما يشاع بصورة نمطية عن حالة التعليم فى مصر. ولكن الذى يحتاج للمراجعة هو النظم المتبعة فى إدارة الجامعات وليس إدارة الجامعات نفسها. فعلى سبيل المثال، إن رحلة الجامعات المصرية للتحول من النظام المركزى التقليدى إلى نظام الساعات المعتمدة تأخذ وقتا طويلا. وفى نفس السياق، لابد أن تتحول الجامعات لمنارات أكثر انفتاحا وأقل تقليدية. فبدون حرية التفكير، والبحث، التى تبدأ من الثقة فى العملية التعليمية، فلا سبيل للتقدم. فكيف يأتى التقدم والنظام التقليدى يفترض أن «الدكتور» لا يجب أن يعرف اسم الطالب الذى كتب الإجابة، وعليه تصحيح الورقة بدون أن يهتدى لمن كتبها.
***
نقطة تالية دخلت فى مفاهيم تطوير الجامعات وهى استعمال التكنولوجيا فى توصيل المحتوى العلمى. والمقصود هو معدات العرض الحديثة من شاشات وأجهزة كومبيوتر وبرامج للتواصل الأكاديمى، مما حتمته جائحة كورونا. فأصبح التعليم عن بعد هو سيد الموقف منذ نهاية العام الماضى، وقد نعود إليه خلال العام الحالى. وإلى الآن لا تزال التجربة مستمرة ودروسها مفتوحة، ولم تصل إلى حالة الاستيعاب الكامل. الشىء الجدير بالتأمل هو موضوع تسجيل المحاضرات التى يلقيها المحاضر عن طريق إحدى المنصات المستخدمة. فمثل هذه الخاصية فى حد ذاتها تفتح الباب لأسئلة عدة. لماذا يحضر الطلاب، بينما يستطيعون متابعة المحاضرة التى تم تسجيلها؟ لكن هل التعليم عن بعد يعتبر كافيا؟ ثم ماذا عن التفاعل مع المحاضر؟ وكيف نحكم على جودة العملية التعليمية؟ ثم ماذا عن النشاط الطلابى داخل الجامعات؟ هذه الأسئلة التى تواجه الجامعات العاملة بالفعل وتعتبر تحديا لابد من التغلب عليه، تعتبر تحديا صعبا لجامعة تبدأ أول أعوامها الدراسية فى ظل جائحة كورونا. لذلك الركض فى فتح جامعات أهلية جديدة بحاجة إلى استيعاب الدروس مما يجرى الآن.
أما من جانب الإدارة، فتوجد مسألة هامة تتعلق بالتعاقد مع أعضاء هيئة التدريس. فلقد تم الإعلان عن الجامعات الأهلية الأربعة بنهاية شهر أغسطس، وبدأت الدراسة بالفعل فى شهر أكتوبر. ولا أدرى عن أعداد الطلاب المتقدمين ولا أعداد المقبولين منهم لبدء الدراسة داخل الجامعات. وبالمقارنة، الجامعة لابد أن تبدأ بعدد كافٍ من أعضاء هيئة التدريس المعينين أو المنتدبين. فهل كان الوقت كافيا فى أقل من شهر ليتم مقابلة أعضاء هيئة التدريس الجدد وتشكيل الأقسام، ثم التعاقد معهم؟ وفى حال كونهم من أعضاء هيئة تدريس فى الجماعات الحكومية، هل كان الوقت كافيا لعمل خطابات الانتداب والتعاقد، فى خلال أيام قبل بدء العام الدراسى؟ ثم ماذا عن الجامعات الحكومية التى ستجد نفسها مطالبة باستيعاب عدد الأساتذة الراحلون؟ ماذا لو رفضت الجامعة الحكومية منح الموافقة على الانتداب؟ فهذه الحالة تمثل تحديا لعضو هيئة التدريس والجامعة الأهلية الجديدة على حد سواء. الاستعجال فى حل هذه الأمور يخلق مشاكل بأكثر مما يحلها. لذلك الأفضل أن يكون الإعلان عن الجامعات الجديدة قبلها بعام دراسى كامل، بحيث يكون لدى الإدارة وقت لتكوين فريق العمل، مع ما يعنيه ذلك من تكلفة على عاتق الجامعات الجديدة.
***
ثم نصل للنقطة التى تخص الطلاب. إن المصروفات الدراسية فى الجامعات الأهلية ليست كل ما فى الأمر. بل توفير سكن ملائم بجوار الجامعة الجديد والذى يضيف لأعباء المصروفات عبئا جديدا. هذا ومن المفترض أن تكون الجامعات الأهلية غير هادفة للربح. فهى مؤسسات أهلية تقوم على توفير الخدمة بتكلفتها الفعلية بدون إضافة هامش للربح. لكن النسخة المصرية من الجامعات الأهلية لم يقم بها الأهالى ومؤسسات المجتمع المدنى، ولكن انطلقت التجربة بيد الحكومة، وهى بدورها لها حسابات أخرى مختلفة عن حسابات المؤسسات الأهلية. فواقع تجربة التعليم المجانى الماثلة أمام الدولة لعقود من الزمن، جعلت الانحياز فيما هو جديد لكل ما تثبت جدواه الاقتصادية، ويغطى تكلفته. لذلك المصروفات ليست فى متناول كل الطبقات. لذلك قد يكون من المناسب التفكير فى تدشين صندوق لتمويل التعليم، بشرط ألا يكون بدوره هادفا للربح، بل يكون صندوقا ترعاه مبادرة من المؤسسات الأهلية التى تهدف لتوفير نفقات التعليم لغير القادرين، على أن يتم تحصيلها منهم بعد التخرج على أقساط شهرية. لكى يستطيع الصندوق توفير الخدمة لأكبر عدد من المستفيدين بصورة دورية.
باختصار، الجامعات الأهلية قاطرة للتنمية فى محيطها الجغرافى، وفى غضون أعوام قليلة ستصنع تنمية حقيقية فى المجتمعات الجديدة، مع مراعاة أن تكون التنمية إضافة للصروح التعليمية الحكومية وليس على حسابها.