قبل وبعد إعلان ترامب الشهير كانت هناك أقلام وأصوات خليجية دأبت على الترويج لـ«النأى بالنفس» الخليجى عن ماذا ومن؟؟ عن فلسطين والفلسطينيين وقضية شعب وتاريخ أمة.
هى حملة ترويجية كما سابقاتها ولكن هذه المرة طالت أقدس المقدسات وتناولت عبر المقابلات المكثفة على القنوات المستعربة أو المتصهينة سمها ما شئت، تناولت فلسطين كقضية وكحق وكتاريخ أيضا. وبكثير من الجهل أو التجهيل وذكر بعض أنصاف الحقائق أو كل الكذب، تناولت هذه الأقلام والأصوات والأبواق الخليجية القضية الفلسطينية بكثير من الاستخفاف والخفة مرددة أنه آن أوان التفرغ للشئون الخليجية المحلية؛ لأن ــ وبحسب نفس تلك الأقلام ــ الوقوف مع القضية الفلسطينية لم يكسب الخليج إلا مزيدا من الدمار وانعدام التنمية. يواصل بعض هؤلاء الخليجيين الحديث عن سيئات الوقوف مع القضية الفلسطينية وكيف أنها ساهمت فى إهمال التنمية فى دول الخليج!! يردد السامع لهذا الحوار الخبير فى المنطقة العربية الممزقة «عجبى» ويضيف عن أى تنمية يتحدثون وعن أى إهمال على حساب التنمية فى أى بلد وبلايين الدولارات تهدر على مدى سنين طويلة وذلك حسب «شاهد من أهلهم» وليس حسب خبير عربى أو أجنبي!
***
ويعيد ذاك الذى سمى أو يسمى نفسه «الليبرالى الخليجى» صياغة التاريخ الحديث جدا بكثير من الجهل والتجهيل والاحتقار لذاكرة الخليجيين قبل الفلسطينيين وكل العرب.. ذاكرة شعوب تلك البقعة من هذه المنطقة العربية التى لم تعرف سوى القدس بوصلة لها.. ويعمل «المثقف الخليجى الحداثي» على دغدغة مشاعر بعض الخليجيين عبر نشر ثقافة «أنهم يحقدون علينا بما أنعمه علينا الله وأعطانا من تحت أرضه نفط وغاز»! وآخرون الأكثر «ثورية» يدغدغون المشاعر بالأسئلة المغمسة بنفس الحبر والفلسفة المبطنة «هل زيارة أهلنا فى فلسطين تطبيع أم مؤازرة ومساندة لهم؟؟؟».
***
كل تلك الحملة التى لا تحمل صفة البراءة المفاجئة حتما، سبقت إعلان الرئيس الأمريكى بأشهر وتزامنت مع التسريبات الشهيرة حول مفاوضات واجتماعات سرية لعدد من الدول العربية مع إسرائيل!! وكأن هذه الحملة تمهد الدرب للإعلان الذى ينتهك ويخالف كل الاتفاقيات الدولية والذى ينهى مرحلة بل حقبة من تاريخ المنطقة الحديث.
***
فى مقابل تلك الأصوات الخليجية الناشدة للحب والغزل فى مدح إسرائيل، بقى كثير من الخليجيين يكثفون اجتماعاتهم وتغريداتهم ومقالاتهم ويرفعون الصوت بأن أبناء وبنات الخليج قد كبروا على حب فلسطين وإيمانهم بتلك الأرض المغتصبة، وحق شعبها فى وطنهم ولاجئيها فى العودة إلى يافا وحيفا وغزة ونابلس والقدس وكل فلسطين 1948 وليس بعض فلسطين كما رسمها بعضهم وفشلوا فى الحفاظ حتى على بعضها! هؤلاء هم من رفعوا الصوت بأضعف الإيمان أحيانا وبالمسموح به من آليات الاحتجاج بعد إعلان ترامب الشهير، وهم فى ذلك لم يكونوا يوجهون الرسالة للرئيس الأمريكى بل للصهاينة والمتصهينين فى كل مكان حتى فى مدن الملح!!!
***
وهم من قالوا إنهم لا يمكن أن تكون لهم قيامة دون محيطهم العربى ودون التحامهم بقضايا أمتهم، وأولها محاربة ذلك الكيان الذى زرع فى قلب الوطن الكبير ونشر مرضه وراح يعمل على المحافظة على وجوده، وفيما وقع بضع اتفاقيات هنا وهناك فشل فى أن يكسب الشارع العربى الذى بقى ممانعا، معارضا ورافضا للوجود الصهيونى. وكما رفض العرب بعد سنين من اتفاقيات السلام الورقية أن يقبلوا بذاك الكيان فسيرفض الخليجيون أيضا نفس الكيان، ورغم كل خطاباتهم وتبريراتهم ومحاولاتهم..
***
وهؤلاء الخليجيون هم من يحاربون ذاك الكيان ليس فقط لأنه اغتصب فلسطين كل فلسطين واحتل أراضيها وشرد أهلها ويتَّم أطفالها واعتقل وقتل واغتصب وبنى الجدار العازل، وليس لأن أرضها والقدس عاصمتها تحضن الأديان السماوية والمسجد الأقصى وكنيسة القيامة وقبة الصخرة، بل وأيضا لأن الدفاع عن فلسطين هو محاربة لآخر كيان عنصرى وآخر المستعمرات فى العالم، ولأن الدفاع عن فلسطين والفلسطينيين ليس كما يدعى البعض مسئولية الفلسطينيين فقط، بل هى قضية كل المناهضين للتمييز العنصرى والمدافعين عن الحقوق والحريات وعن حق البشر كل البشر فى تقرير مصيرهم والدفاع عن أرضهم ووطنهم الذى لم يكن أبدا إلا فلسطين.
***
هؤلاء هم الخليجيون الحقيقيون وسيبقون رغم كل تلك الأصوات ينظرون صوب القدس وفلسطين كل فلسطين شمسهم التى لا تغيب وأملهم، وهم من يرددون «أن تكون فلسطينيا يعنى أن تصاب بأمل لا شفاء منه».